قال عمر: الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان.
وقال جابر: الطواغيت [1] كهّان كان ينزل عليهم الشيطان [2] ، في كل حيٍّ واحدٌ.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجتنبوا السبع الموبقات» [3]
(1) قوله: «الطواغيت: كهان» أراد أن الكهان من الطواغيت، فهو من إفراد المعنى.
(2) قوله: «كان ينزل عليهم الشيطان» أراد الجنس لا الشيطان الذي هو إبليس خاصة، بل تنزل عليهم الشياطين ويخاطبونهم ويخبرونهم بما يسترقون من السمع «في كل حيٍّ واحد» قال وهب بن منبه: سألتُ جابر بن عبدالله عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون إليها. فقال: إن في جهينة واحداً، وفي أسلم واحداً، وفي هلال واحداً، وفي كل حيٍّ واحد، وهم كهان كانت تنزل عليهم الشياطين. رواه ابن أبي حاتم. والحي: واحد الأحياء، وهي القبائل أي في كل قبيلة كاهن يتحاكمون إليه ويسألونه عن الغيب، وكذلك كان الأمر قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأبطل الله ذلك بالإسلام، وحرست السماء بكثرة الشهب. وفيه: معرفة تفسير آية النساء وتفسير الجبت والطاغوت والفرق بينهما، وأن الطاغوت قد يكون من الجن وقد يكون من الإنس. قاله المصنف رحمه الله تعالى. ومطابقة أثر جابر للترجمة من جهة أن الساحر طاغوت من الطواغيت إذ كان هذا الاسم يطلق على الكاهن، فالساحر أولى؛ لأنه أشَرُّ وأخبث. قاله في «الشرح» *.
(3) قوله: «وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجتنبوا السبع الموبقات» . قالوا: يا رسول الله، وما هُنّ؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا قالوا: يا رسول الله، وما هُنّ؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكلُ الربا، وأكلُ مال اليتيم، والتولِّي يومَ الزحف، وقذفُ المحصنات الغافلات المؤمنات» **.
* (ص/328) .
** أخرجه البخاري (2766) و (5764) ، ومسلم (89) .
فقوله: «اجتنبوا» أبلغ في النهي من قوله: «اتركوا» ؛ لأنه يتضمن الترك والتباعد عنها.
وقوله: «السبع» لا ينفي ما زاد؛ لأنه مفهوم عدد، ومفهوم العدد إذا خالفه منطوق قُدم عليه.
وقد أخرج الطبراني وإسماعيل القاضي عن ابن عباس أنه قيل له: الكبائر سبع. قال: هن أكثر من سبع وسبع، وفي رواية: هي إلى السبعين أقرب. وفي رواية: إلى السبعمائة.
وقوله: «الموبقات» أي المهلكات، وسميت موبقات لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات، وفي الآخرة من العذاب.
قوله: «الشرك بالله» بداية من البداءة بالأهم، وهو أن يجعل لله نداً يدعوه أو يرجوه أو يخافه كما يخاف الله عز وجل، وفي الصحيحين عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل لله نداً وهو خلقك» * الحديث، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في «الكافية الشافية» [257] :
ذا القسم ليس بقابل الغفرانِ ... والشركَ فاحذره فشرك ظاهر
كان من حجرٍ ومن إنسانِ ... وهو اتخاذ الند للرحمن أيَّا
ويحبه كمحبة الدَّيَّانِ ... يدعوه أو يرجوه ثم يخافه
قوله: «والسحر» وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة.
قوله: «وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق» بأن تفعل ما يوجب قتلها. قال في «الشرح» **: كقتل المشرك المحارب.
قلت: وهذه سبقة قلم من الشارح رحمه الله، فإن قتل المشرك ليس من قتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق؛ لأنه مباح الدم والمال، وليست محاربته أيضاً شرطاً في قتله وإنما المراد قتل المسلم المعصوم الدم لقوله - صلى الله عليه وسلم: «لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس،
* تقدم تخريجه (ص/13) .
** (ص/330) .
والتارك لدينه المفارق للجماعة» *.
وقوله: «وأكل الربا» أي تناوله بأي وجه كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275] الآيات، قال ابن دقيق العيد: وهو موجب لسوء الخاتمة.
قوله: «وأكل مال اليتيم» عبر بالأكل لأنه أعمّ وجوه الانتفاع، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10] .
قوله «والتولّي يوم الزحف» أي الإدبار عن الكفار وقت التحام القتال، وإنما يكون كبيرة إذا فرَّ إلى غير فئة أو غير متحرف لقتال، كما قيد به في قوله {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} الآية [الأنفال:16] .
قوله: «وقذف المحصنات» بفتح الصاد: المحفوظات من الزنا، وبكسرها: الحافظات فروجهن منه. والمراد: العفيفات بأن يُرمين بزنا أو لواط، والغافلات عما رمين به، فهو كناية عن البريئات؛ لأن الغافل برئ عما بُهت به، و «المؤمنات» أي بالله تعالى احترازاً عن قذف الكافرات. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:23] وهذا الحديث ذكره المصنف غير معزوّ، وقد رواه البخاري ومسلم.
وفيه: معرفة السبع الموبقات المخصوصات بالنهي. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
* أخرجه البخاري (6878) ، ومسلم (1676) .