وقال: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} [القصص: 5] الآية. وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: (ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ ألم أجدكم عالة فأغناكم الله بي؟) فجعلوا يقولون له: الله ورسوله أمَنُّ (1) ، فهذا جواب العارفين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهل المنة كل المنة إلا لله المان بفضله الذي جميع الخلق في مننه؟ وإنما قبحت مِنَّةُ المخلوق لأنها منة بما ليس منه، وهي منة يتأذى بها الممنون عليه، وأما منة المنان بفضله التي ما طاب العيش إلا بمنته، وكل نعمة منه في الدنيا والآخرة فهي منة يمنُّ بها على من أنعم عليه، فتلك لا يجوز نفيها، وكيف يجوز أن يقال: إنه لا منة لله على الذين آمنوا وعملوا الصالحات في دخول الجنة؟ وهل هذا إلا من أبطل الباطل؟ فإن قيل: هذا القدر لا يخفى على من قال هذا القول من العلماء، وليس مرادهم ما ذكر، وإنما مرادهم أنه لا يمن عليهم به، بل يقال هذا جزاء أعمالكم التي عملتموها في الدنيا، وهذا أجركم، فأنتم تستوفون أجور أعمالكم لا نمن عليكم بما أعطيناكم، قيل: وهذا أيضًا هو الباطل بعينه، فإن ذلك الأجر ليست الأعمال ثمنًا له، ولا معاوضة عنه، وقد قال أعلم الخلق بالله صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله) ، قالوا: ولا أنت يارسول الله؟ قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) (2) .
فأخبر أن دخول الجنة برحمة الله وفضله، وذلك محض منته عليه وعلى سائر عباده، وكما أنه سبحانه المان بإرسال رسله، وبالتوفيق لطاعته وبالإعانة عليها، فهو المان بإعطاء الجزاء وذلك كله محض منته وفضله وجوده، ولا حق لأحد عليه" (3) ."
من آثار الإيمان باسمه سبحانه (المنان) :
إن ما ذكر في اسميه سبحانه (الوهاب) ، (الكريم) من الآثار يناسب أن يذكر هنا ومن أهمها:
(1) البخاري (4330) ، مسلم (1061) .
(2) البخاري (5673) ، مسلم (2817) .
(3) بدائع التفسير 5/ 272 - 274.