فهرس الكتاب
الصفحة 581 من 683

وللإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - كلام نفيس في تفسير منة الله - عز وجل - على عباده؛ وذلك عند قوله تعالى في سورة التين {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) } [التين: 6] ، حيث يقول:"وقوله: {غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 6] ، أي: غير مقطوع ولا منقوص، ولا مكدر عليهم وهذا هو الصواب، وقالت طائفة: غير ممنون به عليهم، بل هو جزاء أعمالهم. ويذكر هذا عن عكرمة ومقاتل. وهو قول كثير من القدرية، قال هؤلاء: إن المنة تكدر النعمة، فتمام النعمة أن يكون غير ممنون بها على المنعم عليه. وهذا القول خطأ قطعًا، أُتي أربابه من تشبيه نعمة الله على عبده بإنعام المخلوق على المخلوق. وهذا من أبطل الباطل؛ فإن المنة التي تكدر النعمة هي منة المخلوق على المخلوق، وأما منة الخالق على المخلوق فيها تمام النعمة ولذتها وطيبها، فإنها منة حقيقية، قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) } [الحجرات: 17] ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) } [الصافات: 114 - 115] ، فتكون منة عليهما بنعمة الدنيا دون نعمة الآخرة، وقال لموسى: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) } [طه: 37] ، وقال أهل الجنة: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) } [الطور: 27] ، وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) } [آل عمران: 164] الآية."

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام