فهرس الكتاب
الصفحة 573 من 683

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:"فالعبد سائر لا واقف. فإما إلى فوق، وإما إلى أسفل وإما إلى أمام، وإما إلى وراء. وليس في الطبيعة، ولا في الشريعة وقوف البتة. ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طَيٍّ إلى الجنة أو إلى النار، فمسرع ومبطئ، ومتقدم ومتأخر. وليس في الطريق واقف البتة، وإنما يتخالفون في جهة المسير، وفي السرعة والبطء: {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) } [المدثر: 53 - 73] ولم يذكر واقفاً؛ إذ لا منزل بين الجنة والنار، ولا طريق لسالك إلى غير الدارين البتة، فمن لم يتقدم إلى هذه بالأعمال الصالحة فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة."

فإن قلت: كل مجد في طلب شيء لا بد أن يعرض له وقفة وفتور، ثم ينهض إلى طلبه.

قلت: لا بد من ذلك. ولكن صاحب الوقفة له حالان: إما أن يقف ليجمَّ نفسه، ويعدها للسير، فهذا وقفته سير، ولا تضره الوقفة. فإن"لكل عمل شِرَّة، ولكل شرة فترة" (1) .

وإما أن يقف لداع دعاه من ورائه، وجاذب جذبه من خلفه، فإن أجابه أخَّره ولا بد. فإن تداركه الله برحمته، وأطلعه على سبق الراكب له وعلى تأخره، نهض نهضة الغضبان الآسف على الانقطاع، ووثب وجمز واشتد سعيًا ليلحق الركب. وإن استمر مع داعي التأخر، وأصغى إليه لم يرض برده إلى حالته الأولى من الغفلة، وإجابة داعي الهوى حتى يرده إلى أسوأ منها وأنزل دَرَكًا" (2) ."

(1) هذه قطعة من حديث رواه الترمذي (2455) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1995) .

(2) مدارج السالكين 1/ 267، 268.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام