فهرس الكتاب
الصفحة 572 من 683

وهذا التقديم يكون كونيًا كتقديم بعض المخلوقات على بعض، وتأخير بعضها على بعض، وكتقديم الأسباب على مسبباتها والشروط على مشروطاتها وأنواع التقديم والتأخير في الخلق، والتقدير بحر لا ساحل له.

ويكون شرعيًا كما فضل الأنبياء على الخلق، وفضل بعضهم على بعض، وفضل بعض عباده على بعض، وقدمهم في العلم، والإيمان، والعمل، والأخلاق، وسائر الأوصاف، وأخَّر من أخر منهم بشيء من ذلك وكل هذا تبع لحكمته. وهذان الوصفان وما أشبههما من الصفات الذاتية لكونهما قائمين بالله، والله متصف بهما، ومن صفات الأفعال لأن التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها، وأفعالها، ومعانيها، وأوصافها، وهي ناشئة عن إرادة الله وقدرته" (1) ."

من آثار الإيمان باسميه سبحانه (المقدم، المؤخر) :

سبق القول بأن هذين الاسمين الكريمين هما من أسماء الله الحسنى المزدوجة المتقابلة التي لا يطلق واحد بمفرده على الله - عز وجل - إلا مقرونًا بالآخر؛ لأن الكمال في اجتماعهما، ومن آثار الإيمان بهذين الاسمين الكريمين ما يلي:

أولاً: الإيمان بأنه سبحانه (المقدم والمؤخر) يثمر في قلب المؤمن التعلق بالله وحده، والتوكل عليه سبحانه؛ لأنه سبحانه لامقدم لما أخر، ولا مؤخر لما قدم فمهما حاول البشر من تقديم شيء لم يرد الله - عز وجل - تقديمه، أو تأخير أمر لم يرد الله تعالى تأخيره فلن يستطيعوا. وهذا يخلص القلب من الخوف من المخلوق أو رجائه؛ لأنه لا يملك تقديم شيء أو تأخيره إلا بإذن الله تعالى وحده.

ثانيًا: إن التقدم الحقيقي النافع هو التقدم إلى طاعة الله - عز وجل - وجنته ومرضاته، والتأخر عن ذلك هو التأخر الحقيقي المذموم، أما التقدم في الدنيا والتأخر عنها فليس بمقياس للتقدم والتأخر، ولذا ينبغى للمسلم أن يتوسل إلى ربه سبحانه بهذين الاسمين الكريمين لنيل التقَّدم الحقيقي عنده سبحانه، وترك كل ما يؤخر عن جنته ومرضاته.

(1) الحق الواضح المبين ص 100 - 101.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام