ثالثًا: الإيمان بحكمته سبحانه البالغة في تقديم ما قدم وتأخير ما أخَّر، وأن أي أمر قدَّم أو أخَّر فإنما هو بعلم الله تعالى وإرادته وحكمته البالغة، وهذا يشمل كل شيء قدم أو فضل على غيره، أو أخر عنه، ومن ذلك تقديم الآجال وتأخيرها، وتقديم أو تفضيل بعض الأزمنة والأمكنة على بعضها أو تقديم بعض خلقه وتفضيلهم على بعض، أو تقديم إيجاد شيء على شيء آخر، أو تقديم عقوبة أقوام وتأخير آخرين.
وكذلك فيما يحصل للمؤمن من تقديم أمر لا يحب تقديمه أو تأخير أمر يكره تأخيره، فإن مقتضى هذين الاسمين الكريمين ومقتضى حكمته سبحانه يجعل المؤمن يرضى ويسلم ويعتقد بأن الخيرة فيما اختاره الله له من تقديم أو تأخير، وقد يكون في ذلك الرحمة واللطف وهو لا يشعر.
رابعًا: تقديم من قدَّمه الله - عز وجل - وتأخير من أخَّره سبحانه، وذلك بأن يكون ميزان التقديم والتأخير، والحب والبغض، والولاء والبراء هو ميزان الله - عز وجل - في ذلك كله، لا كما يزن به أكثر الناس اليوم، حيث يقدِّمون أهل الجاه والمال والرئاسات وغيرها من أعراض الدنيا على غيرهم من أهل الدين والتقوى وهذا يخالف ميزان الله - عز وجل - في التقديم والتأخير قال الله - عز وجل: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) } [الجاثية: 21] ، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام يسيرون بهذا الميزان في تقديم الرجال والمواقف وغيرها.