وكلما كمل العبد مراتب العبودية، كان أقرب إلى الله تعالى، ويشرح شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - الحديث القدسي السابق فيقول:"فقرب الشيء من الشيء مستلزم لقرب الآخر منه، لكن قد يكون قرب الثاني هو اللازم من قرب الأول، ويكون منه أيضًا قُرْبٌ بنفسه، فالأول: كمن تقرَّب إلى مكة أو حائط الكعبة، فكلما قَرُبَ منه قَرُبَ الآخر منه من غير أن يكون منه فعل، والثاني: كقرب الإنسان إلى من يتقرب هو إليه كما تقدم في هذا الأثر الإلهي، فتقرب العبد إلى الله وتقريبه له نَطَقَت به نصوص متعددة، مثل قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57] ، {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) } [الواقعة: 88] ، {ّ z` د Bur الْمُقَرَّبِينَ (45) } [آل عمران: 45] ، (وما تقرَّبَ إليِّ عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه) (1) الحديث. وفي الحديث: (أقربُ ما يكون العبدُ من ربِّه في جَوف الليل الآخر) (2) ."
وليس في الكتاب والسُّنَّة قط قربُ ذاته من جميع المخلوقات في كل حال، فعلم بذلك بُطلان قول الحلولية، فإنهم عمَدوا إلى الخاص المقيد فجعلوه عامًا مطلقًا، كما جعل إخوانهم"الاتحاديَّة"ذلك في مثل قوله:"كنتُ سمعه"، وفي قوله:"فيأتيهم في صورة غير صورته"، وأنَّ الله قال على لسان نبيه:"سَمِع الله لمن حمده".
وكل هذه النصوص حجة عليهم، فإذا فُصِّلَ تبين ذلك، فالداعي والساجد يوجه روحه إلى الله، الروح لها عروج يناسبها، فتقرب من الله تعالى بلا ريب بحسب تخلصها من الشوائب، فيكون الله - عز وجل - منها قريبًا قربًا يلزم من قربها، ويكون منه قرب آخر كقربه عشية عرفة، وفي جوف الليل، وإلى من تقرب منه شبرًا تقرب منه ذراعًا.
(1) البخاري (6502) .
(2) الترمذي (3832) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2833) .