وظاهر قوله: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186] ، يدل على أنَّ القربَ نَعته، ليس هو مجرد ما يلزم من قرب الداعي والساجد، ودنوه عشية عرفة هو لما يفعله الحاج ليلتئذ من الدعاء، والذكر، والتوبة، وإلا فلو قُدِّرَ أنَّ أحدًا لم يقف بعرفة لم يحصل منه سبحانه ذلك الدنو إليهم، فإنه يباهي الملائكة بأهل عرفة، فإذا قُدِّر أنه ليس هناك أحد لم يحصل، فدلَّ ذلك على تقربهم إليه بسبب قربه منهم كما دل عليه الحديث الآخر.
والناسُ في آخر الليل يكون في قلوبهم من التوجُّه والتقرب والرِّقة ما لا يوجد في غير ذلك الوقت، وهذا مناسب لنزوله إلى السماء الدنيا، وقوله: (هل من داع؟ هل من سائل؟ هل من تائب؟) (1) .
ثم إنَّ هذا النزول هل هو كدنوه عشية عرفة مُعلَّق بأفعال؟ فإن في بلاد الكفر ليس فيهم من يقوم الليل فلا يحصل لهم هذا النزول، كما أنَّ دُنوه عشية عرفة لا يحصل لغير الحجاج في سائر البلاد، إذ ليس لها وقوف مشروع، ولا مباهاة الملائكة، وكما أن تَفْتيح أبواب الجنة، وتغليق أبواب النار، وتصفيد الشياطين إذا دخل شهر رمضان، إنما هو للمسلمين الذين يصومونه لا الكفار الذين لا يرون له حرمة.
وكذلك اطلاعه على أهل بدر وقوله لهم: (اعملوا ما شئتم) (2) كان مختصًا بأولئك أم هو عام؟ فيه كلام ليس هذا موضعه.
والكلام في هذا (القُرب) من جنس الكلام في نزوله كل ليلة ودُنوه عشية عرفة، وتكليمه لموسى صلى الله عليه وسلم من الشجرة، وقوله: {y أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} [النمل: 8] ، وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع ..." (3) ."
اقتران اسمه سبحانه (القريب) باسمه سبحانه (السميع) :
وقد سبق ذكر وجه هذا الاقتران عند الكلام عن اسمه سبحانه (السميع) فليرجع إليه.
اقتران اسمه سبحانه (القريب) باسمه سبحانه (المجيب) :
(1) البخاري (7494) ، مسلم (758) واللفظ لمسلم.
(2) البخاري (3983) ، مسلم (2494) .
(3) مجموع الفتاوى 5/ 240 - 242.