فهرس الكتاب
الصفحة 531 من 683

وقد جاء أن سبب نزولها: أن الصحابة- رضي الله عنهم - قالوا:"يارسول الله، ربنا قريبٌ فنناجيه، أم بعيدٌ فنناديه؟ فأنزل الله - عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (1) ."

وهذا يدلُّ على إرشادهم للمناجاة في الدعاء؛ لا للنداء - الذي هو رفع الصوت - فإنهم عن هذا سألوا، فأُجيبوا بأن ربهم تبارك وتعالى قريبٌْ؛ لا يحتاج في دعائه وسؤاله إلى النداء، وإنما يُسأل مسألة القريب المناجي؛ لا مسألة البعيد المنادي.

وهذا القرب من الداعي: هو قربٌ خاصٌّ؛ ليس قربًا عامًا من كلِّ أحدٍ، فهو قريبٌ من داعيه؛ وقريبٌ من عابده، وأقرب ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجدٌ، وهو أخصُّ من قرب الإنابة وقرب الإجابة - الذي لم يُثبت أكثر المتكلمين سواه - بل هو قربٌ خاصٌّ من الداعي والعابد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم راويًا عن ربِّه تبارك وتعالى: (من تقرَّب مني شبرًا: تقرَّبت منه ذراعًا، ومن تقرَّب مني ذراعًا: تقرَّبت منه باعًا) ، رواه البخاري ومسلم (2) .

فهذا قربه من عابده، وأما قربه من داعيه وسائله: فكما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] ، وقوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] ، فيه الإشارة والإعلام بهذا القرب" (3) ."

خامسًا: طلب قرب الله - عز وجل - والتقرب إليه بالطاعات، لأن الله - عز وجل - قريب ممن أطاعه، قال سبحانه: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) } ، وقال في الحديث القدسي: (من تقرب إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا ... ) الحديث (4) .

(1) أخرجه الطبري في تفسيره 2/ 158، وضعفه أحمد شاكر برقم (2904) .

(2) جزء من حديث رواه البخاري (7405) ، مسلم (2675) .

(3) بدائع الفوائد 3/ 8 - 9.

(4) البخاري (6502) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام