فهرس الكتاب
الصفحة 503 من 683

ولا شك أن من سمع وأبصر أدْخَلُ في صفة الكمال ممن انفرد بأحدهما دون الآخر، فصح أن كونه سميعًا بصيرًا يفيد قدرًا زائدًا على كونه عليمًا، وكونه سميعًا بصيرًا يتضمن أنه يسمع بسمع، ويبصر ببصر، كما تضمن كونه عليمًا أنه يعلم بعلم ولا فرق بين إثبات كونه سميعًا بصيرًا وبين كونه ذا سمع وبصر. قال: وهذا قول أهل السُّنَّة قاطبة"أهـ (1) ."

واشتراك المخلوق مع الخالق سبحانه في هذا الاسم لا يعني المشابهة، فإن صفات المخلوق تناسب ضعفه وعجزه وخلقه، وصفات الخالق - عز وجل - تليق بكماله وجلاله سبحانه وتعالى.

يقول أبو القاسم الأصبهاني - رحمه الله تعالى - موضحًا بعض الفروق بين سمع الله - عز وجل - وسمع المخلوق:"خُلق الإنسان صغيرًا لا يسمع، فإنْ سمع لا يعقل ما يسمع، فإذا عَقَل ميَّزَ بين المسموعات فأجاب عن الألفاظ بما يستحق، وميَّز الكلام المستحسن من المستقبح، ثم كان لسمعه مَدى إذا جاوزه لم يسمع، ثم إنْ كلَّمه جماعة في وقتٍ واحد عَجَزَ عن استماع كلامهم، وعن إدراك جوابهم."

والله - عز وجل - السميع لدعاء الخلق وألفاظهم عند تفرقهم واجتماعهم مع اختلافِ ألسنتهم ولُغَاتهم، يعلم ما في قلب القائل قبل أن يقول، ويعجزُ القائل عن التعبير عن مراده فيعلم الله فيُعطيه الذي في قلبه، والمخلوق يزول عنه السمع بالموت، والله تعالى لم يزل ولا يزال، يُفني الخلق ويرثهم فإذا لم يبق أحدٌ قال: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر: 16] ، فلا يكون من يرد! فيقول: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) } [غافر: 16] " (2) ."

(1) فتح الباري 13/ 372، 373.

(2) نقلاً عن النهج الأسمى، محمد الحمود النجدي 1/ 231.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام