ومن تمام نعمته سبحانه، وعظيم بره وكرمه وجوده ومحبته له على هذا الشكر، ورضاه منه به، وثناؤه عليه به، ومنفعته وفائدته مختصة بالعبد؛ لا تعود منفعته على الله. وهذا غاية الكرم الذي لا كرم فوقه؛ ينعم عليك ثم يوزعك شكر النعمة، ويرضى عنك، ثم يعيد إليك منفعة شكرك، ويجعله سببًا لتوالي نعمه واتصالها إليك، والزيادة على ذلك منها" (1) ."
رابعًا: ومن شكر الله - عز وجل - شكر من أجرى الله سبحانه النعمة على يده، فقد أمر الله سبحانه به في قوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) } [لقمان: 14] فأمر بشكره ثم بشكر الوالدين إذ كانا سبب وجوده في الدنيا، وسَهِرَا وتعبا في تربيته وتغذيته، فمن عقَّهما أو أساء إليهما فما شكرهما على صنيعهما، بل جحد أفضالهما عليه، ومن لم يشكرهما فإنه لم يشكر الله الذي أجرى تلك النعم على أيديهما، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) (2) .
خامسًا: إن الله سبحانه وتعالى شكور يحب الشاكرين له، الشاكرين لعباده المحسنين، لذا فإن من آثار اسمه سبحانه (الشاكر، الشكور) : الاتصاف بموجب هذا الاسم الكريم، والبعد عن ضده وهو الكفر والجحود.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:"ولمّا كان سبحانه هو الشكور على الحقيقة، كان أحب خلقه إليه من اتصف بصفة الشكر، كما أن أبغض خلقه إليه من عطَّلها واتصف بضدها."
وهذا شأن أسمائه الحسنى، أحب خلقه إليه من اتصف بموجبها، وأبغضهم إليه من اتصف بأضدادها، ولهذا يبغض: الكفور، والظالم، والجاهل، والقاسي القلب، والبخيل، والجبان، والمهين، واللئيم.
(1) مدارج السالكين 2/ 252.
(2) رواه الترمذي في البر والصلة باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك، وقال: حديث حسن صحيح (1954) .