فهرس الكتاب
الصفحة 490 من 683

فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس، وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس، فإن الشكر يقع بالجوارح، والحمد يقع بالقلب واللسان"أهـ (1) ."

ويفصل ابن القيم - رحمه الله تعالى - بعض معاني شكر الله - عز وجل - فيقول:"وأما شكر الربِّ تعالى: فله شأنٌ آخر كشأن صبره، فهو أولى بصفة الشكر من كلِّ شكورٍ، بل هو الشكور على الحقيقة، فإنه يُعطي العبد؛ ويوفِّقه لما يشكره عليه، ويشكر القليلَ من العمل والعطاء؛ فلا يستقلّه أن يشكره، ويشكر الحسنة بعشر أمثالها؛ إلى أضعاف مضاعفة."

ويشكر عبده بقوله؛ بأن يُثني عليه بين ملائكته وفي ملئه الأعلى؛ ويُلقي له الشكر بين عباده؛ ويشكره بفعله.

فإذا ترك له شيئًا أعطاه أفضل منه، وإذا بذل له شيئًا ردَّه عليه أضعافًا مضاعفة، وهو الذي وفَّقه للترك والبذل؛ وشكره على هذا وذاك.

ولما عقر نبيهُ سليمانُ الخيلَ - غضبًا له إذ شغلته عن ذكره؛ فأراد ألا تشغله مرة أخرى - أعاضه عنها متن الريح، ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها في مرضاته، أعاضهم عنها أن ملَّكهم الدنيا؛ وفتحها عليهم، ولما احتمل يوسف الصديق ضيق السجن، شكر له ذلك بأن مكَّن له: {فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} [يوسف: 56] ، ولما بذل الشهداء أبدانهم له حتى مزَّقها أعداؤه، شكر لهم ذلك بأن أعاضهم منها طيرًا خضرًا أقرَّ أرواحهم فيها؛ ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها إلى يوم البعث؛ فيردها عليهم أكمل ما تكون وأجمله وأبهاه، ولما بذل رسله أعراضهم فيه لأعدائهم فنالوا منهم وسبُّوهم: أعاضهم من ذلك بأن صلَّى عليهم هو وملائكته؛ وجعل لهم أطيب الثناء في سماواته وبين خلقه؛ فأخلصهم: {بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) } [ص: 46] .

(1) مدارج السالكين 2/ 246.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام