فهرس الكتاب
الصفحة 491 من 683

ومن شكره سبحانه أنه يُجازي عدوَّه بما يفعله من الخير والمعروف في الدنيا؛ ويُخفِّف به عنه يوم القيامة؛ فلا يُضيع عليه ما يعمله من الإحسان؛ وهو من أبغض خلقه إليه.

ومن شكره أنه غفر للمرأة البغيِّ بسقيها كلبًا كان قد جهده العطش؛ حتى أكل الثرى (1) ، وغفر لآخر بتنحيته غصن شوكٍ عن طريق المسلمين (2) ، فهو سبحانه يشكر العبد على إحسانه لنفسه، والمخلوق إنما يشكر من أحسن إليه.

وأبلغ من ذلك أنه سبحانه هو الذي أعطى العبد ما يحسن به إلى نفسه؛ وشكرَه على قليله بالأضعاف المضاعفة؛ التي لا نسبة لإحسان العبد إليها، فهو المحسن بإعطاء الإحسان وإعطاء الشكر، فمَنْ أحقُّ باسم (الشكور) منه سبحانه؟

وتأمل قوله سبحانه: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) } [النساء: 147] كيف تجد في ضمن هذا الخطاب أن شكره تعالى يأبى تعذيب عباده سدى بغير جرم؛ كما يأبى إضاعة سعيهم باطلاً، فالشكور لا يُضيع أجر محسنٍ؛ ولا يُعذب غير مسيء.

وفي هذا ردٌّ لقول من زعم أنه سبحانه يُكلِّفه ما لا يُطيقه؛ ثم يعذبه على ما لا يدخل تحت قدرته تعالى الله عن هذا الظنِّ الكاذب، والحسبان الباطل علوًا كبيرًا، فشُكْرُه سبحانه اقتضى أن لا يُعذب المؤمنَ الشكورَ؛ ولا يُضيع عمله، وذلك من لوازم هذه الصفة؛ فهو منزَّهٌ عن خلاف ذلك، كما يُنزَّه عن سائر العيوب والنقائص التي تُنافي كماله وغناه وحمده.

(1) انظر الحديث في البخاري (3467) ، ومسلم (2245) .

(2) انظر الحديث في البخاري (652) ، ومسلم (1914) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام