4 -إنَّ (الكريم) هو الذي له قدر عظيم، وخطرٌ كبير، فليس لأحدٍ قدر بالحقيقة إلا لله تعالى، إذ الكلُّ له خلقٌ وملك، إليه يضاف كل شيء، ومن شرفه يشرفُ كل شيء، وكرمُ كل كريمٍ من كرمه.
5 -و (الكريم) هو المنزَّه عن النقائص والآفات، وهو الله وحده بالحقيقة؛ لأنه تقدَّس عن النقائصِ والآفات وحده على الإطلاق والتمام والكمال من كل وجهٍ، وفي كل حالٍ. بخلاف الخلق؛ فإنهم إن كَرُموا من وجه نقصوا من وجه آخر.
6 -و (الكريم) بمعنى المُكرِم، فمن المكرمُ إلا الله تعالى؟ فمن أكرمه الله أُكرِمَ ومن أهانه أهين؛ قال عز وجل: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18] .
7 -و (الكريم) هو الذي لا يتوقع عِوضًا، وهو الله وحده؛ لأن كل شيء خَلْقه وملكه فما يعطي له وما يأخذه له، وما يُعطي كل مُعطٍ أو يعمل كل عاملٍ، فبقدرته وإرادته، والعوضُ والمعوَّض خلق له.
8 -و (الكريم) هو الذي يعطي لغير سبب، وهو الله وحده؛ لأنه بدأ الخلق بالنِّعم، وختم أحوالهم بالنعم، وإن جاء في الأخبار أنه أعطي بكذا أو عمل بكذا لكذا، فالعطاءُ منه والسبب جميعًا، والكلُّ عطاءٌ بغير سبب.
9 -و (الكريم) هو الذي لا يبالي من أعطى، وهو الله وحده؛ لأن الخلق جبلت قلوبهم على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، والباري يُعطي الكافرين والمتقين، وربما خَص الكافر في الدنيا بمزيد العطاء، ولكنَّ الآخرة للمتقين.
10 -و (الكريم) هو الذي يُعطي من احتاج ومن لا يحتاج، وهو الله وحده؛ لأنه يُعطي ويزيد على قدر الحاجة، ويُعطي من يحتاج ومن لا يحتاج حتى يصب عليه الدنيا صبًّا.
11 -و (الكريم) هو الذي لا يُخصُّ بكبير من الحوائج دون صغيرها، وهو الله تعالى.
وذكر القشيري أن موسى - عليه السلام - قال في مناجاته: إنه لتعرض لي الحاجة أحيانًا فأستحيي أن أسألك، فأسأل غيرك، فأوحى الله إليه: يا موسى لا تسل غيري، وسلني حتى ملح عجينك وعلف شاتك.