فهرس الكتاب
الصفحة 44 من 683

قال رحمه الله تعالى:"يعني أن العقل قد يئس من تعرف كنه الصفة وكيفيتها فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله، وهذا معنى قول السلف"بلا كيف"أي بلا كيف يعقله البشر."

فإن من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته، كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته؟ ولا يقدح ذلك في الإيمان بها، ومعرفة معانيها. فالكيفية وراء ذلك، كما أنا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائق ما في اليوم الآخر. ولا نعرف حقيقة كيفيته، مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق. فَعَجْزُنَا عن معرفة كيفية الخالق وصفاته أعظم وأعظم.

فكيف يطمع العقل المخلوق المحصور المحدود في معرفة كيفية من له الكمال كله، والجمال كله، والعلم كله، والقدرة كلها، والعظمة كلها، والكبرياء كله؟ من لو كُشِف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما. وما وراء ذلك؟ الذي يقبض سماواته بيده فتغيب كما تغيب الخردلة في كف أحدنا. الذي نسبة علوم الخلائق كلها إلى علمه أقل من نسبة نَقْرَة عصفور من بحار العلم الذي لو أن البحر يُمِدُّهُ من بعده سبعة أبحر مدادٌ، وأشجار الأرض من حين خلقت إلى قيام الساعة أقلام لفني المداد، وفنيت الأقلام، ولم تَنْفدْ كلماته. الذي لو أن الخلق من أول الدنيا إلى آخرها - إنسهم وجنهم، وناطقهم وأعجمهم - جُعلوا صفًا واحدًا: ما أحاطوا به سبحانه. الذي يضع السماوات على إصبع من أصابعه، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والأشجار على إصبع. ثم يَهُزُّهُنَّ. ثم يقول: أنا الملك.

فقاتل الله الجهمية والمعطلة! أين التشبيه ههنا؟ وأين التمثيل؟ لقد اضمحل ههنا كل موجود سواه. فضلاً عن أن يكون له ما يماثله في ذلك الكمال، ويشابهه فيه. فسبحان من حجب عقول هؤلاء عن معرفته، وولاَّها ما تولَّت من وقوفها مع الألفاظ التي لا حرمة لها، والمعاني التي لا حقائق لها" (1) ."

(1) مدارج السالكين 3/ 359 - 360.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام