وعزا ابن تيمية - رحمه الله تعالى - إلى بعض السلف أن:"الصمد الدائم، وهو الباقي بعد فناء خلقه، فإن هذا من لوازم الصمدية، إذ لو قبل العدم، لم تكن صمديته لازمة له، بل جاز عدم صمديته فلا يبقى صمدًا، ولا تنتفي عنه الصمدية إلا بجواز العدم عليه وذلك محال، فلا يكون مستوجبًا للصمدية، إلا إذا كانت لازمة له، وذلك ينافي عدمه، وهو مستوجب للصمدية، لم يصر صمدًا بعد أن لم يكن - تعالى وتقدس - فإن ذلك يقتضي أنه كان متفرقًا فجمع، وأنه مفعول محدث مصنوع، وهذه صفة مخلوقاته" (1) .
ويقول في موطن آخر:"وأما اسم (الصمد) فقد استعمله أهل اللغة في حق المخلوقين، كما تقدم، فلم يقل الله صمد، بل قال: {اللَّهُ} الصَّمَدُ فبين أنه المستحق، لأن يكون هو الصمد دون ما سواه، فإنه المستوجب لغايته على الكمال، والمخلوق وإن كان صمدًا من بعض الوجوه، فإن حقيقة الصمدية منتفية عنه، فإنه يقبل التفرق والتجزئة، وهو أيضًا محتاج إلى غيره، فإن كان ما سوى الله محتاج إليه من كل وجه، فليس أحد يصمد إليه كل شيء ولا يصمد هو إلى شيء إلا الله تبارك وتعالى، وليس في المخلوقات إلا ما يقبل أن يتجزأ ويتفرق وينقسم، وينفصل بعضه من بعض، والله سبحانه هو الصمد الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك، بل حقيقة الصمدية وكمالها له وحده واجبة لازمة لا يمكن عدم صمديته بوجه من الوجوه، كما لا يمكن تثنية أحديته بوجه من الوجوه، فهو أحد لا يماثله شيء من الأشياء بوجه من الوجوه، كما قال في آخر السورة: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد (4) } [الإخلاص: 4] استعملها هنا في النفي أي: ليس شيء من الأشياء كفوًا له في شيء من الأشياء لأنه أحد" (2) .
(1) مجموع الفتاوى 17/ 164.
(2) مجموع الفتاوى 17/ 238.