فهرس الكتاب
الصفحة 360 من 683

ولهذا دعا سبحانه في كتابه عبادَه إلى الاستدلال بذلك على صفاته، فهو يُثبت العلم بربوبيته ووحدانيته؛ وصفات كماله بآثار صفته المشهودة، والقرآن مملوءٌ بذلك، فيظهر شاهد اسم (الخالق) من نفس المخلوق، وشاهد اسم (الرزاق) من وجود الرزق والمرزوق، وشاهد اسم (الرحيم) من شهود الرحمة المبثوثة في العالم، واسم (المعطي) من وجود العطاء - الذي هو مدار لا ينقطع لحظة واحدة - واسم (الحليم) من حلمه عن الجناة والعصاة وعدم معاجلتهم، واسم (الغفور والتوَّاب) من مغفرة الذنوب وقبول التوبة، ويظهر شاهد اسمه (الحكيم) من العلم بما في خلقه وأمره من الحكم والمصالح ووجوه المنافع. وهكذا كل اسم من أسمائه الحسنى له شاهد في خلقه وأمره يعرفه من عرفه ويجهله من جهله، فالخلق والأمر من أعظم شواهد أسمائه وصفاته، وكلُّ سليم العقل والفطرة يعرف قدر الصانع وحذقه وتبريزه على غيره؛ وتفرُّده بكمالٍ لم يشاركه فيه غيره من مشاهدة صنعته، فكيف لا تُعرف صفاتُ مَنْ هذا العالم العلويُّ والسفليُّ؛ وهذه المخلوقات من بعض صنعه.

إذا اعتبرت المخلوقات والمأمورات: وجدتها بأسرها كلَّها دالة على النعوت والصفات وحقائق الأسماء الحسنى، وعلمت أن المعطلة من أعظم الناس عمى بمكابرة، ويكفي ظهور شاهد الصنع فيك خاصة، كما قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) } [الذاريات: 21] .

فالموجودات بأسرها شواهد صفات الربِّ جلَّ جلاله ونعوته وأسمائه، فهي كلُّها تُشير إلى الأسماء الحسنى وحقائقها، وتُنادي عليها وتدلُّ عليها، وتُخبر بها بلسان النطق والحال، كما قيل:

تأمَّل سطور الكائنات فإنها من الملك الأعلى إليك رسائلُ

وقد خطَّ فيها لو تأمَّلت خطَّها ألا كلُّ شيٍ ما خلا الله باطلُ

تُشير بإثبات الصفات لربِّها فصامتها يهدي ومن هو قائلُ

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام