فهرس الكتاب
الصفحة 259 من 683

وأختم الحديث عن هذا الاسم الجليل الكريم بكلام نفيس للإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - يبين فيه موقف المسلم الحق أمام ما خفي من الحكم في خلق بعض المخلوقات، وما خفي من الحكم في أوامره الشرعية وأوامره القدرية، يقول رحمه الله تعالى:"قد شهدت الفِطَر والعقول بأن للعالم ربّاً قادرًا حليمًا عليمًا رحيمًا كاملاً في ذاته وصفاته لا يكون إلا مريدًا للخير لعباده مُجرِيًا لهم على الشريعة والسِّنّة الفاضلة العائدة باستصلاحهم، الموافقة لما ركّب في عقولهم من استحسان الحسن واستقباح القبيح وما جبل طِباعهم عليه من إيثار النافع لهم، المُصلِح لشأنهم، وترك الضارَ المُفسِد لهم، وشهدت هذه الشريعة له بأنه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنه المحيط بكل شيء علمًا، وإذا عرف ذلك فليس من الحكمة الإلهية، بل ولا الحكمة في ملوك العالم أنهم يسوّون بين مَن هو تحت تدبيرهم في تعريفهم كلما يعرفه الملوك وإعلامهم جميع ما يعلمونه، وإطلاعهم على كل ما يجرون عليه سياساتهم في أنفسهم، وفي منازلهم حتى لا يقيموا في بلد فيها إلا أخبروا من تحت أيديهم بالسبب في ذلك المعنى الذي قصدوه منه، ولا يأمرون رعيتهم بأمر ولا يضربون عليهم بعثًا، ولا يسوسونهم سياسة إلا أخبروهم بوجه ذلك وسببه وغايته ومدّته، بل لا تتصرّف بهم الأحوال في مطامعهم وملابسهم ومراكبهم إلا أوقفوهم على أغراضهم فيه. ولا شكّ أن هذا مُنافٍ للحكمة والمصلحة بين المخلوقين فكيف بشأن ربّ العالمين، وأحكم الحاكمين الذي لا يشاركه في علمه ولا حكمته أحد أبدًا. فحسب العقول الكاملة أن تستدلّ بما عرفت من حكمته على ما غاب عنها، وتعلم أن له حكمة في كل ما خلقه وأمر به وشرعه، وهل تقتضي الحكمة أن يخبر الله تعالى كل عبد من عباده بكل ما يفعله ويوقفهم على وجه تدبيره في كل ما يريده وعلى حكمته في صغير ما ذرأ وبرأ من خليقته وهل في قوى المخلوقات ذلك، بل طوى سبحانه كثيرًا من صنعه وأمره عن"

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام