يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:"العبادة تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل والخضوع، والعرب تقول: طريق معبد أي: مذللٌ، والتعبد التذلل والخضوع، فمن أحببته ولم تكن خاضعًا له لم تكن عابدًا له، ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عابدًا له حتى تكون محبًا خاضعًا" (1) .
والمقصود أن الإيمان بعلو الله - عز وجل - ذاتًا وقدرًا وقهرًا يورث في النفس خضوعًا وإخباتًا لمن هذه صفاته، ولذا لمَّا نزل قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) } [الأعلى: 1] ، قال صلى الله عليه وسلم: (ضعوها في سجودكم) (2) .
وعن سر ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:"وكان وصف الرب بالعلو في هذه الحال في غاية المناسبة لحال الساجد الذي قد انحط إلى السفل على وجهه فذكر علو ربه في حال سقوطه، كما ذكر عظمته في حال خضوعه في ركوعه ونزه ربه عما لا يليق به مما يضاد عظمته وعلوه" (3) .
2 -التواضع لله تعالى ولما أنزل من الحق، لأن الإيمان بعلوه سبحانه وقهره لعباده يورث في القلب تواضعًا وحياءً، وتعظيمًا لله تعالى وأوامره ونواهيه، ورضًا بأحكامه القدرية والشرعية، وإذعانه للحق إذا بان له وعلم أنه من عند الله تعالى وتقدس ولا يرد أحد الحق ويؤثر الباطل عليه إلا حين يغفل عن آثار أسماء الله - عز وجل - الحسنى، ومنها الأسماء التي فيها إثبات العلو، والعظمة، والملك، والحكمة لله تعالى.
3 -الحذر من العلو في الأرض بغير الحق، وتجنب ظلم العباد والتكبر عليهم وقهرهم والعدوان عليهم. ولا ينجو من ذلك إلا من تذكر علو الله تعالى وقهره وأن العبد مهما علا وظلم وقهر فإن الله (العلي المتعال) فوقه، يراه يقتص للمظلومين ممن ظلمهم. وما من جبَّار علا في الأرض وتجبر إلا وقصمه الله تعالى وأهلكه.
(1) مدارج السالكين 1/ 74.
(2) سبق تخريجه ص 243.
(3) الصلاة وحكم تاركها ص 212.