"ومن ظن به أنه إذا أغضبه، وأسخطه، وأوضع في معاصيه، ثم اتخذ من دونه وليًا، ودعا من دونه مَلَكًا أو بشرًا حَيًا أو ميتًا، يرجُو بذلك أن ينفَعَه عند ربِّه، ويُخَلِّصَه من عذابه، فقد ظنَّ به ظَنَّ السوء، وذلك زيادة في بعده من الله، وفي عذابه."
"ومن ظنَّ به أنه يُسلِّطُ على رسولهِ محمّد صلى الله عليه وسلم أعداءَهُ تسليطًا مستَقِرَّاً دائمًا في حياته وفي مماته، وابتلاه بهم لا يُفارقونه، فلما مات استبدُّوا بالأمر دون وصية، وظلمُوا أهلَ بيتِهِ، وسلبوهم حقهم، وأذلُّوهم، وكانت العزةُ، والغلبةُ، والقهرُ لأعدائِه وأعدائِهم دائمًا من غير جرم ولا ذنب لأوليائه، وأهل الحق، وهو يرى قهرَهم لهم، وغصبهم إياهم حقَّهم، وتبديلَهم ديْنَ نبيهم، وهو يقدر على نصرة أوليائه وحزبه وجنده، ولا ينصُرُهم ولا يُديلهم، بل يُديل أعداءهم عليهم أبدًا، أو أنَّه لا يقدِرُ على ذلِكَ، بل حصل هذا بغير قٍُدرته ولا مشيئته، ثم جعل المبدلين لدينه مضاجعيه في حفرته، تُسَلِّمُ أمتُه عليه وعليهم كل وقت كما تظنه الرافضةُ، فقد ظنَّ به أقبحَ الظن وأسوأه، سواءً قالوا: إنه قادرٌ على أن ينصرهم، ويجعل لهم الدولة والظفر، أو أنه غيرُ قادر على ذلك، فهم قادحون في قدرته، أو في حكمته وحمده، وذلك من ظنِّ السَّوء به، ولا ريب أن (الربَّ) الذي فعل هذا بغيضٌ إلى من ظنَّ به ذلك غير محمود عندهم، وكان الواجبُ أن يفعل خلافَ ذلك، لكن رَفَوْا هذا الظنَّ الفاسِدَ بخرق أعظمَ منه، واستجاروا من الرَّمضاءِ بالنار، فقالوا: لم يكن هذا بمشيئة الله، ولا له قدرةٌ على دفعه ونصر أوليائه، فإنه لا يَقْدِرُ على أفعال عباده، ولا هي داخلةٌ تحت قدرته، فظنُّوا به ظَنَّ إخوانهم المجوس والثَّنَوِيةِ بربهم، وكل مبطل، وكافر، ومبتدِع مقهور مستذل، فهو يظن بربه هذا الظن، وأنه أولى بالنصر والظفر، والعلو من خصومه."