فهرس الكتاب
الصفحة 148 من 683

"وأنه يحسُن منه كُلُّ شيء حتى تعذيبُ من أفنى عمره في طاعته، فيخلدُه في الجحيم أسفلَ السافلينَ، ويُنعِمُ من استنفد عُمُرَه في عداوته، وعداوة رسله ودينه، فيرفعه إلى أعلى عليين، وكلا الأمرين عنده في الحسن سواء، ولا يعرف امتناعُ أحدهما ووقوع الآخر إلا بخبر صادق، وإلا فالعقل لا يقضي بقُبح أحدهما وحُسنِ الآخر، فقد ظَنَّ به ظن السوء."

"ومن ظن به أنه أخبرَ عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل، وتشبيه، وتمثيل، وترك الحقَّ، لم يُخبر به، وإنما رَمزَ إليه رموزًا بعيدة، وأشار إليه إشارات مُلْغِزةً لم يُصرح به، وصرَّح دائمًا بالتشبيه والتمثيل والباطل، وأراد من خلقه أن يُتعِبُوا أذهانَهم، وقُواهم، وأفكارَهم في تحريفِ كلامه عن مواضعه، وتأويلهِ على غير تأويله، ويتطلَّبوا له وجوهَ الاحتمالات المستكرهة، والتأويلات التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالكشف والبيان، وأحالهم في معرفة أسمائِه وصفاتِه على عقولهم وآرائهم، لا على كتابِه، بل أراد منهم ألا يحمِلوا كلامَه على ما يعرِفُون من خطابهم ولغتهم، مع قدرته على أن يُصَرح لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به، ويُريحَهم من الألفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل، فلم يفعل، بل سلك بهم خلاف طريق الهدى والبيان، فقد ظنّ به ظنَّ السَّوْءِ، فإنه إن قال: إنه غير قادر على التعبير عن الحق باللفظ الصريح الذي عبر به هو وسلفه، فقد ظن بقُدرته العجز، وقال: إنه قادِرٌ ولم يُبَيِّنْ، وعدَلَ عن البيان، وعن التصريح بالحقِّ إلى ما يُوهم، بل يُوقِعُ في الباطل المحال، والاعتقاد الفاسد، فقد ظنَّ بحكمته ورحمته ظَنَّ السَّوءِ، وظنَّ أنه هو وسلفُه عبَّروا عن الحقِّ بصريحه دُونَ الله ورسوله، وأن الهُدى والحقَّ في كلامهم وعباراتهم. وأما كلام الله، فإنما يؤخذ من ظاهره التشبيه، والتمثيل، والضلال، وظاهِر كلام المتهوِّكين الحيارى، هو الهُدى والحق، وهذا من أسوأ الظن بالله، فكل هؤلاء"

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام