"وكذلك من أنكر أن يكون قدَّر ما قدَّره من ذلك وغيره لِحكمة بالغة، وغاية محمودة - يستحقُّ الحمدَ عليها - وأن ذلك إنما صدر عن مشيئة مجردةٍ عن حكمة وغايةٍ مطلوبة هي أحبُّ إليه من فوتها، وأن تلك الأسبابَ المكروهةَ المفضية إليها لا يخرج تقديُرها عن الحكمةِ لإفضائِهَا إلى ما يُحِبُّ، وإن كانت مكروهة له، فما قدَّرها سُدى، ولا أنشأها عبثًا، ولا خلقها باطلاً: {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) } [ص: 27] ."
"وأكثر النَّاسِ يظنون بالله غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعلُه بغيرهم، ولا سَلِمَ من ذلك إلا من عرف الله، وعرف أسماءه وصفاتِهِ، وعرفَ موجب حمده وحكمته، فمن قَنِطَ من رحمته، وأيس من روحه، فقد ظن به ظنَّ السوءِ."
"ومن جوَّز عليه أن يعذّبَ أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم، ويسوي بينهم وبين أعدائه، فقد ظَنَ به ظنَّ السوءِ."
"ومن ظنَّ به أن يترُكَ خلقه سُدى، معطَّلينَ عن الأمر والنهي، ولا يُرسل إليهم رسله، ولا ينزِّل عليهم كتبه، بل يتركهم هَمَلاً كالأنعام، فقد ظَنَّ به ظن السوء."
"ومن ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازي المحسنَ فيها بإحسانه، والمسيءَ بإساءته، ويبيِّنُ لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه، ويظهرُ للعالمين كلِّهم صدقَه وصدقَ رسله، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين، فقد ظنَّ به ظن السوءِ."
"ومن ظنَّ أنه يُضَيِّعُ عليه عملَه الصالحَ الذي عملَه خالصًا لوجهه الكريم على امتثال أمره، ويُبطِلَه عليه بلا سبب من العبد، أو أنه يُعاقِبُه بما لا صُنعَ له فيه، ولا اختيار له، ولا قدرةَ، ولا إرادة في حصوله، بل يعاقبه على فعله هو سبحانه به."
"أو ظنَّ به أنه يجوزُ عليه أن يؤيِّدَ أعداءَه الكاذبين عليه بالمعجزاتِ التي يُؤيِّدُ بها أنبياءه ورسله، ويُجرِيها على أيديهم يضلُّونَ بها عباده."