فكل ظن لا يليق بحمده وحكمته ورحمته وعلمه فهو سوء ظن بالله تعالى، وبالتالي فهو قدح في موجب اسمه سبحانه (القدوس) . ويعلق الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - على آية الفتح الآنفة الذكر مستعرضًا بعض صور سوء الظن بالله تعالى المنافية لتنزيهه سبحانه فيقول:"وإنما كان هذا ظنَّ السَّوْءِ، وظنَّ الجاهلية المنسوب إلى أهل الجهل، وظنَّ غير الحق، لأنه ظنّ غير ما يليق بأسمائه الحسنى، وصفاتِه العُليا، وذاتِه المبَّرأة من كُلِّ عيبٍ وسوء، وخلاف ما يليقُ بحكمته وحمده، وتفرُّده بالربوبية والإلهيَّة، وما يَليق بوعده الصادِق الذي لا يُخلفُهُ، وبكلمته التي سبقت لرسله أنه ينصُرُهم ولا يخذُلُهم، ولجنده بأنهم هم الغالبون."
فمن ظنَّ بأنه لا ينصرُ رسولَه، ولا يُتِمُّ أمرَه، ولا يؤيِّده، ويؤيدُ حزبه، ويُعليهم، ويُظفرهم بأعدائه، ويُظهرهم عليهم، وأنه لا ينصرُ دينه وكتابه، وأنه يُديل الشركَ على التوحيدِ، والباطلَ على الحقِّ إدالة مستقرة يضمحِلُّ معها التوحيد والحق اضمحلالاً لا يقوم بعده أبدًا، فقد ظنَّ بالله ظن السَّوْءٍ، ونسبه إلى خلاف ما يليقُ بكماله وجلاله، وصفاته ونعوته، فإنَّ حمدَه وعزَّته، وحِكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يَذِلَّ حزبُه وجندُه، وأن تكون النصرة المستقرة، والظفرُ الدائم لأعدائه المشركين به، العادلين به، فمن ظنَّ به ذلك، فما عرفه، ولا عرف أسماءَه، ولا عرف صفاتِه وكماله.
"وكذلك من أنكر أن يكونَ ذلك بقضائه وقدره، فما عرفه، ولا عرف ربوبيَته، وملكه وعظمته."