فهرس الكتاب
الصفحة 121 من 683

إن علم العبد بربه سبحانه وبأن له الحياة الكاملة المطلقة والتي تتضمن جميع صفات الكمال توجب على العبد محبة ربه سبحانه وإجلاله وتوحيده، وهذا يثمر في القلب الابتهاج، واللذة، والسرور مما تندفع به الكروب، والهموم، والغموم. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:"فعِلم القلب ومعرفته بذلك توجب محبته وإجلاله وتوحيدَه، فيحصل له من الابتهاج، واللذة، والسرور ما يدفع عنه ألم الكرب، والهم، والغم، وأنت تجدُ المريض إذا ورد عليه ما يسرُّهُ ويُفرحه، ويقوي نفسه، كيف تقوى الطبيعة على دفع المرض الحسِّي، فحصولُ هذا الشفاء للقلب أولى وأحرى."

ثم إذا قابلت بين ضيق الكرب وسعة هذه الأوصاف التي تضمَّنها دعاءُ الكرب، وجدته في غاية المناسبة لتفريج هذا الضيق، وخروج القلب منه إلى سعَةِ البهجة والسرور، وهذه الأمورُ إنما يصدق بها من أشرقت فيه أنوارها، وباشر قلبُه حقائقَها.

وفي تأثير قوله: (يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث) في دفع هذا الداء مناسبة بديعة، فإن صفة الحياة متضمِّنة لجميع صفات الكمال، مستلزمة لها، وصفة القيُّومية متضمنة لجميع صفات الأفعال، ولهذا كان اسمُ الله الأعظم الذي إذا دُعيَ به أجاب، وإذا سُئل به أعطى: هو اسمُ (الحيّ القيوم) (1) والحياة التامة تُضاد جميعَ الأسقام والآلام، ولهذا لما كَمُلَت حياة أهل الجنة لم يلحقهم همٌّ، ولا غمٌّ، ولا حَزَنٌ، ولا شيء من الآفات. ونقصانُ الحياة تضر بالأفعال، وتنافي القيومية، فكمال القيومية لكمال الحياة، فـ (الحي) المطلق التام الحياة لا تفوتُه صِفة الكمال البتة، و (القيوم) لا يتعذَّرُ عليه فعل ممكن البتة، فالتوسل بصفة الحياة والقيومية له تأثير في إزالة ما يُضادُّ الحياة، ويضُرُّ بالأفعال.

(1) سبق الحديث عن اسم الله الأعظم؛ ص 75 - 80، وفيه تفصيل جيد للشيخ السعدي رحمه الله.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام