وبالجملة فإن اقتران هذين الاسمين الكريمين يدل على الكمال والعدل والحمد والعزة والرحمة، وذلك ببيان أنه سبحانه مع كونه عزيزًا قويًا غالبًا قاهرًا لكل شيء فلا ينفي أن يكون رحيمًا برًا محسنًا. ولا يعني كونه سبحانه رحيمًا بعباده أن لا يكون قويًا غالبًا.
فرحمته سبحانه ناشئة عن قدرة، وقوة، وعزة لا عن ضعف، وعجز، واجتماع الوصفين يدل على صفة كمال ثالثة وهي: جريان عزته - سبحانه وتعالى - على سنن الرحمة التي تستلزم إفاضة الخير والإحسان.
سادسًا: اقتران اسمه (الرحيم) باسمه سبحانه (البر) :
وجاء هذا الاقتران مرة واحدة في القرآن وذلك في قوله تعالى عن أهل الجنة: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) } [الطور: 25 - 28] ، والبر: هو المحسن الرفيق المتفضل، وهذه الصفات هي من موجبات رحمته الخاصة بعباده المؤمنين.
فبرُّ الله - عز وجل - بعباده الذي هو عبارة عن توالي مننه، وتتابع إحسانه وإنعامه أثر من آثار رحمته الواسعة التي غمرت الوجود، وتقلب فيها كل موجود، وعن طريق تلك المنن الجزيلة، وذلك الإحسان العميم عرف العباد أن ربهم رحيم، فاقتران (البر) بـ (الرحيم) لعله من اقتران المسبَّب بالسبب.
وتقديم (البَرِّ) على (الرحيم) أبلغ في المدح، والثناء بالترقي من الأخص إلى الأعم، ومن المسبب إلى السبب (1) .
وسيأتي التفصيل في معاني وآثار اسمه سبحانه (البر) في بابه إن شاء الله تعالى.
سابعًا: اقتران اسمه (الرحمن) باسمه سبحانه (الرب) :
(1) انظر مطابقة أسماء الله الحسنى مقتضى المقام في القرآن الكريم؛ د. نجلاء كردي ص 624.