فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذاتُ أنواط فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر، إنها السُنن [1]
(1) قوله: «إنها السُنن» بضم السين أي الطرق أي ستفعل هذه الأمة ما فعلت الأمم قبلها من الشرك فما دونه كما في حديث أبي سعيد «لتتبعنّ سنن من كان قبلكم حذو القُذَّة بالقذّة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» * قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟» وفيه القاعدة الكلية لقوله «إنها السنن» وأن هذا علم من أعلام النبوة لكونه وقع كما أخبر، وأن ما ذمّ الله به اليهود والنصارى في القرآنه أنه لنا، يعني إذا عملنا كعملهم، وأن سنة أهل الكتاب مذمومة كسنة المشركين. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
قال شيخ الإسلام: «هذا خرج منه مخرج الخبر عن وقوع ذلك والذم لمن يفعله كما يخبر عما يفعله الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمة ولا يقال إن كان الكتاب والسنة قد دلاّ على قوع ذلك فما فائدة النهي عنه؛ لأن الكتاب والسنة أيضاً قد دلاّ على أنه لا يزال في هذه الأمة طائفة متمسكة بالحق الذي بعث الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى قيام الساعة، وأنها لا تجتمع على ضلالة، ففي النهي عن ذلك تكثير لهذه الطائفة المنصورة وتثبيتها، وزيادة إيمانها، فنسأل المجيب أن يجعلنا منها، وأيضاً لو فرض أن الناس لا يترك أحد منهم هذه المشابهة المنكرة لكان في العلم بها معرفة القبيح والإيمان بذلك فإن نفس العلم والإيمان بما كرهه الله خير وإن لم يعمل به، بل فائدة العلم والإيمان أعظم من فائدة مجرد العمل الذي لم يقترن به علم، ثم لو فرض أنّا علمنا أن الناس لا يتركون المنكر ولا يعترفون بأنه منكر لم يكن ذلك مانعاً من إبلاغ الرسالة وبيان العلم بل ذلك لا يسقط وجوب الإبلاغ ولا وجوب الأمر والنهي في إحدى الروايتين عن أحمد، وهو قول كثير من أهل العلم» . انتهى ملخصاً.
* أخرجه البخاري (7320) ، ومسلم (2669) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.