فهرس الكتاب
الصفحة 84 من 358

قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138] لتركبنَّ سَننَ من كان

قبلكم». رواه الترمذي وصحّحه [1] .

(1) قوله: «قلتم -والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون، لتركبنّ سنن من كان قبلكم» . رواه الترمذي وصححه» * وفيه: الأمر الكبير أنه أخبر أن طلبتهم كطلبة بني إسرائيل لما قالوا لموسى: {اجعل لنا إلها} . وأن نفي هذا من معنى لا إله إلا الله مع دقته وخفائه على أولئك، وأنه حلف على الفتيا وهو لا يحلف إلا لمصلحة، وأن الشرك فيه أكبر وأصغر لأنهم لم يرتدوا بهذا. قاله المصنف.

فإذا كان اتخاذ شجرة لتعليق الأسلحة والعكوف عندها كاتخاذ إله مع الله مع أنهم لا يدعونها ولا يسألونها ماذا يكون حكم ما حدث من عباد القبور من دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والذبح والنذر لهم، والطواف بقبورهم وتقبيلها، وتقبيل أعتابها وجدرانها، والتمسح بها، والعكوف عندها وجعل السدنة والحجاب لها؟ ‍! وأي نسبة بين هذا، وبين تعليق الأسلحة على شجرة تبركاً. انتهى من «الشرح» ** بتصرف.

وفيه: أن العبرة بالمعاني لا بالأسماء، ولهذا جعل طلبتهم كطلبة بني إسرائيل، ولم يلتفت إلى كونهم سموها ذات أنواط، فالمشرك مشرك وإن سمَّى شركه ما سماه. قاله في «فتح المجيد» ***.

قلت: وهذا كتسمية مشركي زماننا دعاء الأموات والغائبين توسلاً. قال الحافظ أبومحمد عبدالرحمن بن إسماعيل الشافعي المعروف بأبي شامة في كتاب «البدع والحوادث» [ص23] : «ومن هذا؛ ما عمَّ الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق بعض الحيطان وإسراج مواضع مخصوصة في كل بلد يحكي لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحداً ممن شهد بالصلاح والولاية فيفعلون ذلك يحافظون عليه مع تضييعهم الفرائض الله تعالى وسننه ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا

* أخرجه أحمد (36/ 225) - الرسالة - وقال المحقق: إسناده صحيح على شرط الشيخين، والترمذي (2180) ، وابن أبي عاصم في السنة رقم (76) .

** (ص/147) .

إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها وهي من عيون وشجر وحائط وحجر، وفي مدينة دمشق من ذلك مواضع متعددة كعوينة الحمى خارج باب توما والعمود المخلق داخل الباب الصغير والشجرة الملعونة خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق، سهل الله قطها واجتثاثها من أصلها، فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث». انتهى.

قلت: ومن هذا؛ افتتان بعض العوام بعين نجم التي في الأحساء فيقصدونها للاسشفاء لمرضاهم فما أشبهها بعوينة الحمى، وكل هذا شرك وضلال فيجب النهي عنه. وفيه: الخوف من الشرك. وأن الإنسان قد يستحسن شيئاً يظن أنه يقربه إلى الله وهو مما يبعده من رحمته ويقرّبه من سخطه، ولا يعرف هذا على الحقيقة إلا من عرف ما وقع في هذه الأزمان من كثير من العلماء والعباد مع أرباب القبور من الغلو فيها وصرف حيل العبادة لها ويحسبون أنهم على شيء وهو الذنب الذي لا يغفره الله.

تنبيه: ذكر بعض المتأخرين أن التبرك بآثار الصالحين مستحب كشرب سؤرهم، والتمسّح بهم أو بثيابهم، وحمل المولود إلى أحدهم ليحنِّكه بتمرة حتى يكون أول ما يدخل جوفه ريق الصالحين، والتبرك بعرقهم، وقد أكثر من ذلك النووي في «شرح مسلم» في الكلام على الأحاديث التي فيها أن الصحابة فعلوا ذلك مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وظن أن غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن يدَّعي صلاحه مثله، وهذا خطأ صريح لوجوه:

* منها: عدم المقاربة فضلاً عن المساواة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الفضل.

* ومنها: عدم تحقق الصلاح، ولا يتحقق ذلك إلا بصلاح القلب، وهو أمر لا يمكن الاطلاع عليه إلا بنص.

* ومنها: أن الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك مع غيره - صلى الله عليه وسلم -، لا في حياته، ولا بعد موته، ولو كان خيراً لسبقونا إليه فيكون هذا من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -. انتهى ملخصاً من «الشرح» *.

* (ص/150 - 151)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام