.وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [1]
(1) وسمّاهم أرباباً.
وهذا هو الشاهد من الآية للترجمة، قال تعالى: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:80] وقد عظمت الفتنة بالشرك المنافي للتوحيد لما حدث الغلو في الأموات وتعظيمهم بالعبادة حتى عاد المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والبدعة سنة والسنة بدعة، نشأ على هذا الصغير وهرِمَ عليه الكبير، كما جاء في الحديث: «بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، الذين يصلحون إذا فسد الناس - وفي رواية: يصلحون ما أفسد الناس"*."
قوله: «وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} الآية [البقرة:165] الأنداد: الأمثال والنظراء. قاله غير واحد من المفسرين.
قال العماد ابن كثير رحمه الله [التفسير 1/ 1352] : «يذكر تعالى حال المشركين به في الدنيا ومآلهم في الدار الآخرة، حيث جعلوا لله أنداداً، أي أمثالاً ونظراء يعبدونهم معه، ويحبونهم كحبه وهو الله لا إله إلا هو، ولا صنو له ولا ند له ولا شريك له"."
وفي الصحيحين عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله نداً وهو خلقك". قلت: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"** الحديث.
وقوله: « {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} "قال شيخ الإسلام: في قوله: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} قولان:"
أحدهما: أنهم يحبونهم كما يحبون الله فيكون قد أثبت لهم محبة الله، ولكنها محبة
* تقدم تخريجه (ص/12) .
** تقدم تخريجه (ص/13) .
أشركوا فيها مع الله أندادهم.
والثاني: أن المعنى يحبون أندادهم كما يحب المؤمنون الله، وهذا متناقض وهو باطل؛ فإن المشركين لا يحبون الأنداد مثل محبة المؤمنين الله، ثم بيَّن تعالى أن محبة المؤمنين لله أشد من محبة أصحاب الأنداد لأندادهم وإنما ذُمُّوا بأن شركوا بين الله وبين أندادهم في المحبة ولم يخلصوا لله كمحبة المؤمنين له، كما أخبر الله عنهم وهم في النار، أنهم يقولون لآلهتهم وأنداداً وهي محضرة معهم في العذاب: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:97 - 98] ومعلوم أنهم ما سوّوهم به في الخلق والربوبية وإنما سوّوهم به في المحبة والتعظيم. وهذا هو الشاهد من الآية للترجمة. قال ابن القيم في «الكافية الشافية» [257] :
خلق ولا رزق ولا إحسان ... والله ما ساووهم بالله في
حب وتعظيم وفي إيمان ... لكنهم ساووهم بالله في
جعلوا المحبة قط للرحمن ... جعلوا محبته مع الرحمن ما
قوله: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} والمراد بالظلم هنا الشرك كقوله: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] .
وقوله: {إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} قال بعضهم: تقدير الكلام: لو عاينوا العذاب لعلموا حينئذٍ أن القوة لله جميعاً، أي أن الحكم له وحده لا شريك له فإن جميع الأشياء تحت قهره وغلبته وسلطانه، وإن الله شديد العذاب، كما قال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر: 25 - 26] .
وقوله: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} كما قال تعالى: {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ - يعني الشياطين والمردة والدُعاة إلى الكفر - رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} [القصص: 63] فشهدوا عليهم أنهم أغووهم ثم تبرأوا من عبادتهم.