فهرس الكتاب
الصفحة 66 من 358

وقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (1) الآية [التوبة: 31] [1] .

(1) وقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية الأحبار: هم العلماء، والرهبان: هم العبّاد، أي اتخذوا علماءهم وعبّادهم أرباباً من دون الله في اتباعهم في تحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرّم. وهذه الآية قد

فسرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعدي بن حاتم، وكان عدي من متنصرة العرب.

فإن العرب قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم من تنصَّر، ومنهم من تهوَّد، ومنهم من تمجَّس، ومنهم من بقي على وثنيته، فكان عدي من متنصرة العرب، ولما جاء مسلماً دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ عليه هذه الآية، قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم. قال: «بلى، إنهم حرّموا عليهم الحلال، وحلَّلُوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم"*. رواه أحمد والترمذي وحسّنه. قال السدي: استنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم."

قال شيخ الإسلام [الفتاوى 7/ 70] : «وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرّم الله، وتحريم ما أحل الله، يكونون على وجهين:

أحدهما: أن يعلموا أنهم بدّلوا دين الله فيتبعونهم على هذا التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرّم الله أو تحريم ما أحل الله، اتباعاً لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركاً وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم، فكأن من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركاً مثل هؤلاء.

الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحرام وتحليل الحلال ثابتاً، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، كما قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنما الطاعة في المعروف"**". انتهى.

قوله: {وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} أي اتخذوه رباً بعبادتهم له من دون الله، ولهذا قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ

عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة: 31] ، فيسمي الله طاعتهم في معصيته عبادة لهم

* أخرجه أحمد (4/ 378) ، والترمذي (3095) ، وحسنه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/ 67) والألباني في غاية المرام برقم (6) ..

** أخرجه البخاري (4340، 7145، 7257) ، ومسلم (184) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام