الآية [البقرة:165] .
في الصحيح [1] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله [2]
(1) قوله «في الصحيح» أي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشجعي واسمه سعد بن طارق كوفي، فقد مات في حدود الأربعين، عن أبيه طارق بن أشيم بالمعجمة والمثناة التحتية وزن أحمر، ابن مسعود الأشجعي صحابي له أحاديث. قال مسلم: لم يروِ عنه غير ابنه «عن النبي - صلى الله عليه وسلم -» أنه قال: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل» * ورواه الإمام أحمد من طريق يزيد بن هارون، قال: أخبرنا أبومالك الأشجعي عن أبيه، ورواه أحمد عن عبدالله بن إدريس قال: سمعت أبا مالك قال: قلت لأبي الحديث. ورواية الحديث بهذا اللفظ تفسر لا إله إلا الله.
(2) قوله: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله» اعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علَّق عصمة المال والدم في هذا الحديث بأمرين:
الأول: قول لا إله إلا الله عن علم ويقين، كما هو قيد في قولها في غير ما حديث كما تقدم.
الثاني: الكفر بما يُعبد من دون الله، فلم يكتف باللفظ المجرد عن المعنى بل لابد من قولها والعمل بها.
وفيه: معنى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا} . قاله «في فتح المجيد» **.
وفيه: أكبر المسائل وأهمها وهو تفسير التوحيد وتفسير الشهادتين وبَيَّنها بأمور واضحة. منها: آية الأسرى، بيَّن فيها الرد على المشركين الذي يدعون الصالحين، ففيها بيان أن هذا هو الشرك الأكبر.
ومنها: آية براءة، بيَّن فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من
* أخرجه مسلم (23) .
دون الله، وبيَّن أنهم لم يُؤمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً مع أن تفسيرها الذي لا إشكال فيه طاعة العلماء والعباد في المعصية لا دعائهم إياهم.
ومنها: قول الخليل عليه السلام للكفار: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} فاستثنى من المعبودين ربه، وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة هي تفسير شهادة أن لا إله إلا الله، فقال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} .
ومنها: آية الكفار الذين قال الله فيهم: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 167] ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله، فدلّ على أنهم يحبون الله حباً عظيماً ولم يدخلهم في الإسلام فكيف بمن أحب الند أكبر من حب الله؟ فكيف بمن لم يحب إلا الند وحده ولم يحب الله؟؟.
ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله» . وهذا من أعظم ما يبيّن معنى لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال؛ بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك: الكفر بما يُعبد من دون الله، فإنْ شكَّ أو توقف لم يحرم ماله ودمه، فيا لها من مسألة ما أعظمها وأجلها! ويا له من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع! قاله المصنف رحمه الله تعالى.
قال شيخ الإسلام [الفتاوى 28/ 502] : «كل طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات أو الزكاة، أو الصيام، أو الحج، أو عن تحريم الدماء والأموال، أو الخمور، أو الميسر، أو نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو غير ذلك من واجبات الدين أو محرماته التي يكفر الواحد بجحدها تُقاتَل وإن كانت مقرة بها، هذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء، وهؤلاء عند المحققين ليسوا بمنزلة البغاة، بل هم خارجون عن الإسلام» . انتهى ملخصاً.
وقد أجمع العلماء على أن من قال لا إله إلا الله ولم يعتقد معناها ولم يعمل
بمقتضاها أنه يُقاتل حتى يعمل بما دلَّت عليه من النفي والإثبات.
قال أبوسليمان الخطابي [معالم السنن 2/ 11] في قوله: «أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» * معلوم أن المراد بهذا أهل عبادة الأوثان دون أهل الكتاب؛ لأنهم يقولون لا إله إلا الله ثم يقاتلون، ولا يرفع عنهم السيف.
وقال القاضي عياض: «اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال لا إله إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد بذلك مشركو العرب من أهل الأوثان، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفى في عصمته بقول لا إلا الله إذا كان يقولها في كفره» . انتهى ملخصاً.
قوله: «وحسابه على الله عز وجل» أي الله تعالى هو الذي يتولَّى حسابه فإن كان صادقاً جازاه بجنات النعيم، وإن كان منافقاً عذَّبه العذاب الأليم. وأما في الدنيا فالحكم على الظاهر.