فهرس الكتاب
الصفحة 49 من 358

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ مات وهو يدعو لله نِدَّاً دخل النار» . رواه البخاري [1] .

(1) ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: «الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: «اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟» قال المنذري: ومحمود بن لبيد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يصح له سماع فيما أرى. وذكر ابن أبي حاتم أن البخاري قال: له صحبة. ورجّحه ابن عبدالبر والحافظ ابن حجر، وقد رواه الطبراني بأسانيد جيدة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج، مات محمود سنة ستٍ وتسعين. وقيل: سنة سبع وتسعين وله تسع وتسعون سنة، فإذا خاف النبي - صلى الله عليه وسلم - الشرك على أصحابه الذين وحّدوا الله وهاجروا وجاهدوا من كفر به وعرفوا ما أنزل الله في كتابه من الإخلاص والبراءة من الشرك .. فكيف لا يخافه من لا نسبة له إليهم في علم ولا عمل؟ وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة.

وفيه: الخوف من الشرك وأن الرياء من الشرك، وأنه من الشرك الأصغر، وأنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين. قاله المصنف رحمه الله تعالى.

وإذا كان الشرك الأصغر مخوفاً على الصحابة - مع كمال إيمانهم - فينبغي لك أن تخاف من الأكبر مع ضعف الإيمان. قاله في «إبطال التنديد» *.

وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وقوع الشرك الأكبر في أمته بقوله في حديث ثوبان: «ولا تقوم الساعة حتى يلحق حيٌّ من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان» ، وقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - وعمَّت به البلوى في أكثر الامصار حتى اتخذوه ديناً، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله.

قوله: «وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار» . رواه البخاري» **.

* ... (ص/46)

** ... أخرجه البخاري (1238) و (4497) و (6683) .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى [إغاثة اللهفان 2/ 325] : «الند: الشبيه. يُقال: فلانٌ ندّ فلان أي مثله وشبهه» ، قال تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] أنه لا ندّ له. واعلم أن اتخاذ الند على قسمين: أكبر وأصغر.

فالشرك الأكبر: يوجب الخلود في النار ولا يغفر إلا بالتوبة منه، فمن دعا ميتاً أو غائباً وأقبل إليه بوجهه وقلبه رغبة إليه ورهبة منه سواء سأله أو لم يسأله فهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله.

والأصغر: كيسير الرياء، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت. وقوله: ما لي إلاّ الله وأنت، ونحو ذلك. ولهذا لما قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. قال: «أجعلتني لله نداً؟ بل: ما شاء الله وحده» *. رواه أحمد وابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن ماجه، فهذا لا يكفر إلا برجحان السيئات بالحسنات». انتهى.

وقال ابن القيم في «الكافية الشافية» [ص157] :

ذا القسم ليس بقابل الغفران ... والشرك فاحذره فشرك ظاهر

من حجر ومن إنسان ... وهو اتخاذ الند للرحمن أيّا كان

ويحبه كمحبة الديّان ... يدعوه أو يرجوه ثم يخافه

خلق ولا رزق ولا إحسان ... والله ما ساووهم بالله في

حبٍّ وتعظيم وفي إيمان ... لكنهم ساووهم بالله في

جعلوا المحبة قط للرحمن ... جعلوا محبتهم مع الرحمن ما

عادوا أحبته على الإيمان ... لو كان حبهم لأجل الله ما

محبوبه ومواقع الرضوان ... ولما أحبوا سخطه وتجنبوا

على محبته بلا عصيان ... شرط المحبة أن توافق من تحب

خلافك ما يحب فأنت ذو بهتان ... فإذا ادّعيت له المحبة مع

* أخرجه أحمد (3/ 339) من حديث ابن عباس، وابن أبي شيبة (10/ 346) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة (988) ، وابن ماجه (2117) ، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (139) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام