وقول الخليل عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ} [1] [إبراهيم:35] .
وفي الحديث: «أخوفُ ما أخاف عليكم الشركُ الأصغر» . فسئل عنه. فقال: «الرياء» [2] .
(1) قوله: «وقول الخليل عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ} والصنم ما كان منحوتاً على صورة، والوثن ما كان موضوعاً على غير ذلك، ذكره الطبري عن مجاهد، وقد يسمى الصنم وثناً لقوله: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا} [العنكبوت:17] فالوثن أعمّ من الصنم، والأصنام تسمى أوثاناً كما أن القبور التي تُعبد من دون الله تُسمى أوثاناً، قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تجعل قبري وثناً
(2) يُعبد» *. ومعنى قوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ} أي اجعلني وبنيَّ في جانب عن عبادة الأصنام، وباعد بيننا وبينها. فاشتدَّ خوفه على نفسه وعلى بنيه لما رأى كثيراً من الناس قد افتتنوا بها، ولذا قال: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم: 35] وفيه المسألة العظيمة سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام، واعتباره بحال الأكثر لقوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} . قاله المصنف رحمه الله.
وهذا مما يوجب الخوف من الشرك يكسر الصنم بيده ويسأل الله أن يجنبه عبادتها، وهذا هو الشاهد من الآية للترجمة، وقد استجاب الله دعاءه، وجعل بنيه أنبياء وجنَّبهم عبادة الأصنام.
قال إبراهيم التيمي: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟.
والذي خافه إبراهيم عليه السلام قد وقع فيه أكثر الأمة بعد القرون المفضلة، فبُنيت المساجد والمشاهد على القبور، [وقدمت] ** لها العبادات والنذور واتخذوا ذلك ديناً وهي أوثان كأصنام قوم نوح وأصنام العرب، فمن تدبَّر القرآن ورزقه الله فهماً ونوراً وعرف أحوال الخلق وما وقعوا به من الشرك الذي بعث الله رسله بالنهي عنه.
قوله: «وفي الحديث: أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: «الرياء» ***. هذا الحديث ذكره المصنف غير معزوّ، وقد رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي عن محمود بن لبيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أخوف
* أخرجه الإمام أحمد (2/ 246) ، وأبويعلى (6681) ، وأبونعيم في الحلية (7/ 317) بإسناد صحيح، والحديث صحيح لشواهده. انظر: أحكام الجنائز (ص/276 - 277) .
** بياض في الأصل، وأضفتُ هذه الكلمة لأنها موافقة للسياق.
*** أخرجه أحمد (5/ 428، 429) ، والبغوي في شرح السنة (14/ 323، 324) . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 102) : ورجاله رجال الصحيح، وحسن ابن حجر إسناده في بلوغ المرام (302) .