عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
«قال موسى: يا ربِّ، علِّمني شيئاً أذكُرُكَ وأدعُوكَ به. قال: قلْ
يا موسى: لا إله إلاَّ الله. قال: كلُّ عبادك يقولون هذا [1] . قال: يا موسى، لو أنَّ السموات السبع وعامرهُنَّ [2]
(1) قوله: «قال: كل عبادك يقولون هذا» بالجمع مراعاة لمعنى «كل» ، والذي في الأصول: «يقول» بالإفراد مراعاة للفظها دون معناها، لكن قد روى الإمام أحمد* عن عبدالله بن عمرو هذا الحديث بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف أطول منه. قاله في «الشرح» **، وفي رواية النسائي والحاكم: «إنما أريد شيئاً تخصني به» .
(2) قوله: «قال يا موسى، لو أن السموات السبع وعامرهن» بالنصب عطفاً على السموات أي من فيهن من العمار يعني السكان «غيري» أي غير الله تبارك وتعالى «والأرضين السبع» ومن فيهن من السكان «وُضعواً في كِفَّة» بكسر الكاف وتشديد الفاء يعني من كفتي الميزان «ولا إله إلا الله في الكفة الأخرى مالت بهنّ لا إله إلا الله» أي رجحت عليهم، لما اشتملت عليه من التوحيد الذي هو أفضل الأعمال وأساس الملة ورأس الأمر، وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة.
وروى الإمام أحمد عن عبدالله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم: «أن نوحاً عليه السلام قال لابنه عند موته: آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وُضعت في كفة ولا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة فضمتهن لا إله إلا الله» ***.
فمن قالها بإخلاص ويقين وعمل بمقتضاها واستقام على ذلك فهو من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ودل الحديث على أن «لا إله إلا الله» أفضل الذكر، كحديث عبدالله بن عمر مرفوعاً: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله
* برقم (6580) .
** (ص68) .
*** أخرجه أحمد (2/ 169 - 170، 225) ، والبخاري في الأدب المفرد (548) ، والحاكم (1/ 48 - 49) . وصححه الألباني في الصحيحة (543) .
إلاّ وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» *. رواه أحمد والترمذي.
وعنه أيضاً: «يُصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فيُنشر له تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل منها مد البصر، ثم يُقال له: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيُقال: أفلكَ عذرٌ أو حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا. فيقال: بلى، إن ذلك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً عبده ورسوله. فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كِفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة» **. رواه الترمذي وحسنه، والنسائي وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح.
قال ابن القيم رحمه الله [مدارج السالكين 1/ 331] : «فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض، ومعلوم أن كل واحد له هذه البطاقة، وكثيرٌ منهم يدخل النار بذنوبه» .
وفيه: كون الأنبياء يحتاجون إلى التنبيه على فضل «لا إله إلا الله» ، والتنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات مع أن كثيراً ممن يقولها يخف ميزانه، والنص على أن الأرضين سبع كالسموات، وأنّ لهنّ عُمّاراً. وفيه: إثبات الصفات خلافاً للمعطلة، ومعرفة أن الميزان له كفتان. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
* أخرجه الترمذي (3579) ، وأحمد (2/ 210) ، ومالك في الموطأ (1/ 214، 215، 422، 423) . وصححه الألباني في الصحيحة (1503) .
** أخرجه الترمذي (2641) ، والحاكم (1/ 5، 6) ، وابن ماجه (4300) ، وأحمد (2/ 213، 221) ، وصححه الألباني في الصحيحة رقم (135) .