فهرس الكتاب
الصفحة 36 من 358

-غيري -

والأرضين السبع في كِفَّةٍ، ولا إله إلاّ الله في كِفَّة، مالتْ بهن لا إله إلاّ الله».

رواه ابن حبان والحاكم وصححه [1] .

وللترمذي [2] - وحسَّنه - [3] عن أنس [4] : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشركُ بي شيئاً لأتيتُك بقُرابها مغفرة» [5] .

(1) قوله: «رواه ابن حِبَان» وهو محمد بن حِبّان - بكسر المهملة وتشديد الموحدة - أبوحاتم التميمي البستي، الحافظ، صاحب التصانيف: كالصحيح، والتاريخ والضعفاء والثقات.

قال الحاكم: كان من أوعية العلم، مات سنة أربع وخمسين وثلاثمائة بمدينة «بُسْت» بضم الموحدة وسكون المهملة.

و «الحاكم» هو محمد بن عبدالله النيسابوري، أبوعبدالله، الحافظ، ويُعرف بابن البيِّع، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وصنّف: المستدرك وتاريخ نيسابور وغيرهما، ومات سنة خمس وأربعمائة، رحمهما الله تعالى.

(2) قوله: «وللترمذي» وهو محمد بن عيسى بن سَورة - بفتح السين -، السُّلمي، أبوعيسى، صاحب الجامع وأحد الأئمة الحفاظ، كان ضرير البصر، روى عن قتيبة وهنّاد والبخاري وخلق، مات سنة تسع وسبعين ومائتين.

(3) قوله: «وحسّنه» أي قال إنه حسن، والحسن عند الترمذي ما تعددت طرقه وليس فيها متهم ولا خالفه أحدٌ من الثقات. قاله شيخ الإسلام رحمه الله.

(4) قوله: «عن أنس بن مالك» بن النضر الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خدمه عشر سنين ودعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «اللهم أكثر ماله وولده وأدخله الجنة» *، مات سنة اثنتين، وقيل ثلاث وتسعين، وقد جاوز المائة - رضي الله عنه -، ولم يمت حتى رأى من ولده وولد ولده زيادة عن المائة.

(5) قوله: «قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك لو أتيتني

* أخرجه البخاري (424، 425) ، ومسلم (33) و (657) .

بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتُك بقرابها مغفرة» وهذا الذي ذكره المصنف قطعة من حديث رواه الترمذي عن أنس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة» *، وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة.

وقُراب الأرض - بضم القاف، وقيل بكسرها والضم أشهر: ملؤها أو ما يقارب ملؤها.

وقوله: «ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً» شرط ثقيل في الوعد بحصول المغفرة وهو السلامة من الشرك، كثيره وقليله، صغيره وكبيره، ولا يسلم من ذلك إلا من سلمه الله تعالى.

قال شيخ الإسلام: «الشرك نوعان: أكبر وأصغر، فمن خلص منهما وجبت له الجنة، ومن مات على الأكبر وجبت له النار، ومن خلص من الأكبر وحصل له بعض الأصغر مع حسنات راجحة على ذنوبه دخل الجنة، فإن تلك الحسنات توحيد كثير مع يسير من الشرك الأصغر، ومن خلص من الأكبر ولكن كثر الأصغر حتى رجحت به سيئاته دخل النار، فالشرك يؤاخذ به العبد إذا كان أكبر أو كان كثيراً أصغر، والأصغر القليل في جانب الإخلاص الكثير لا يُؤخذ به» . انتهى.

فإذا عرفتَ حديث أنس؛ عرفتَ أن قوله في حديث عِتبان: «فإن الله حرّم على النار من قال: لا إله إلاّ الله يبتغي بذلك وجه الله» أنَّ ترك الشرك ليس قولها باللسان. قاله المصنف رحمه الله.

وفيه: سعة كرمِ الله وجُودِه حيث لو أتاه العبد بمل الأرض خطايا وقد مات على التوحيد أنه يقابله بالمغفرة لذنوبه.

* تقدم تخريجه (ص/28) .

وفيه: الردّ على الخوارج الذين يكفِّرون المسلم بالذنوب، وعلى المعتزلة الذين يقولون: بالمنزلة بين المنزلتين، وهي: أنه ليس بمؤمن ولا كافر ويُخلّد في النار؛ فيوافقون الخوارج في التخليد في النار ويخالفونهم في الاسم.

والصواب ما عليه أهل السنة أن لا يسلب عنه اسم الإيمان على الإطلاق ولا يُعطاه على الإطلاق بل يُقال هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن عاص، أو مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وعلى هذا يدل الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام