فهرس الكتاب
الصفحة 33 من 358

أخرجاه [1] .

ولهما في حديث عِتبان [2] : «فإن الله حرَّم على النار من قال: لا إله إلاّ الله يبتغي بذلك وجه الله» [3] .

(1) قال المصنف: «تأمّل الخمس اللواتي في حديث عبادة، وإذا جمعت بينه وبين حديث عتبان تبيَّن لك معنى قول: لا إله إلا الله، وتبين لك خطأ المغرورين، وتأمل الجمع بين كون عيسى ومحمد عبدي الله ورسوليه، ومعرفة اختصاص عيسى بكونه كلمة الله، ومعرفة كونه روحاً منه، ومعرفة فضل الإيمان بالجنة والنار، ومعرفة قوله على ما كان من العمل» .

قوله: «أخرجاه» أي البخاري ومسلم.

(2) قوله: «ولهما» أي البخاري ومسلم، «في حديث عِتبان» - بكسر العين بعدها مثناة فوقية ثم موحدة - ابن مالك بن عمرو بن العجلان الأنصاري، من بني سالم بن عوف، صحابي مشهور، مات في خلافة معاوية - رضي الله عنه -.

(3) قوله: «فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلاّ الله يبتغي بذلك وجه الله» * وهذا طرف من حديث طويل أخرجه البخاري ومسلم، ورواه أيضاً أحمد والنسائي وابن ماجه والبيهقي في «الأسماء والصفات» ، اختصره المصنف وذكر منه ما يناسب الترجمة.

وفيه: التنبيه للشرط الذي في حديث عتبان ومعرفة ذكر الوجه. قاله المصنف رحمه الله.

واعلم أنه قد وردت أحاديث ظاهرها أن من أتى بالشهادتين حرمه الله على النار كحديث عتبان هذا، وحديث أنس قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرَّحْل فقال: «يا معاذ» قال: لبيك وسعديك. قال: «يا معاذ» قال: لبيك وسعديك. قال: «يا معاذ» قال: لبيك وسعديك، ثلاثاً. قال: «ما من عبد يشهد أن لا إله

* أخرجه البخاري (425) و (1186، 5401، 6423، 6938) ، ومسلم (263) .

إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلاّ حرّمه الله على النار» الحديث أخرجاه، ولمسلم عن عبادة مرفوعاً: «من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله حرمه الله على النار» *.

ووردت أحاديث فيها أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة، وليس فيها أنه يحرم على النار؛ منها حديث عبادة الذي تقدّم قبل هذا، وحديث أبي هريرة أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك.

وفيه: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله، لا يلقى اللهَ عبدٌ بهما غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة» الحديث رواه مسلم**. وحديث أبي ذر في الصحيحين مرفوعاً: «ما من عبدٍ قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلاّ دخل الجنة» *** الحديث.

وأحسن ما قيل في ذلك ما قاله شيخ الإسلام وغيره أن هذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها كما جاءت مقيدة بقوله، وقالها خالصاً من قلبه مستيقناً بها قلبه غير شاك فيها بصدق ويقين فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله تعالى جملة، فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة؛ لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحاً، فإذا مات على تلك الحال قال ذلك، فإنه قد تواتر الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، وما يزن خردلة، وما يزن ذرة، وتواترت بأن كثيراً ممن يقول لا إله إلا الله يدخل النار ثم يخرج منها، وتواتر بأن الله حرّم على النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم؛ فهؤلاء كانوا يصلون ويسجدون لله، وتواترت بأن الله حرّم على النار من قال لا إله إلا الله ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال

* أخرجه البخاري (3435) ، ومسلم (28) .

** برقم (27) .

*** أخرجه البخاري (5827) ، ومسلم (154) .

وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص، وأكثر من يقولها إنما يقولها تقليداً أو عادة ولم تخالط حلاوة الإيمان بشاشة قلبه، وغالب من يفتن عند الموت وفي القبور أمثال هؤلاء كما في الحديث: «سمعت الناس يقولون بشيء فقلته» *، وغالب أعمال هؤلاء إنما تقليد واقتداء بأمثالهم وهم من أقرب الناس من قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23] .

وحينئذٍ فلا منافة بين الأحاديث؛ لأنه إذا قالها بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصراً على ذنب أصلاً، فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء، فإذاً لا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله ولا كراهة لما أمر الله وهذا هو الذي يحرم على النار.

وإن كانت له ذنوب قبل ذلك فإن هذا الإيمان والإخلاص والتوبة والمحبة واليقين لا يترك له ذنباً إلا مُحيَ كما يمحو الليل النهار، فإذا قالها على وجه الكمال المانع من الشرك الأكبر والأصغر فهذا غير مصرٍّ على ذنب أصلاً فيغفر له ويحرم على النار، وإن قالها على وجه خلص به من الشرك الأكبر دون الأصغر ولم يأتِ بعدها بما ينقاض ذلك فهذه الحسنة لا يقاومها شيء من السيئات فيرجح بها ميزان حسناته كما في حديث البطاقة، فيحرم على النار بأيضاً لكن تنقص درجته في الجنة بقدر ذنوبه، وهذا بخلاف من رجحت سيئاته بحسناته ومات مصراً على ذلك فإنه يستوجب النار.

وإن قال: «لا إله إلا الله» وخلص بها من الشرك الأكبر لكنه لم يمت على ذلك بل أتى بعد ذلك بسيئات رجحت على حسنة توحيده فأوهنت ذلك التوحيد والإخلاص فأضعفته، وقويت نار الذنوب حتى أحرقت ذلك، بخلاف المخلص المستيقن؛ فإن حسناته لا تكون إلا راجحة على سيئاته، ولا يكون مصراً على

* جزء من حديثٍ أخرجه الإمام أحمد (42/ 13) قال محقق طبعة الرسالة: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام