فهرس الكتاب
الصفحة 312 من 358

ولهما [1] عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أشدُّ

الناسِ عذاباً يومَ القيامة الذين يُضاهئون بخلق الله».

ولهما عن ابن عباس: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كل مصور في النار، يُجعل له بكل صورة صورها نفس يُعذَّب بها في جهنم» .

ولهما عنه (1) مرفوعاً: «من صوَّر صورةً في الدنيا كُلِّف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ» [2] .

(1) قوله: «ولهما» أي البخاري ومسلم «عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن

* ... أخرجه البخاري (5953) و (7559) ، ومسلم (2111) .

(2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله» * قال في «النهاية» : أراد المصورين، والمضاهاة المشابهة، وقد تُهمز، فالمصور لما صور الصورة على مثل ما خلق الله صار مضاهئاً لخلق الله فكان أشد الناس عذاباً؛ لأن ذنبه من أعظم الذنوب. وأما قول من قال هذا محمول على صانع الصورة لتُعبد، فهذا تخصيص لكلام النبوة بغير دليل؛ بل يردُّه قوله في نفس الحديث: «يضاهئون خلق الله» فذكر العلة وهي المضاهاة. وأما قوله: وقيل هو فيمن قصد المضاهاة واعتقد ذلك فهذا الاعتقاد الذي اشترطه تقييد للحديث مردود؛ لأنه من المعلوم لدى كل ذي عقل سليم أن المصور إنما قصد بعمل الصورة نفس مضاهاة خلق الله أي مشابهته، ولا يخطر بباله سوء ذلك ولكن بمثل هذه المحامل التي لا تحتمل والقيود التي لا دليل عليها والتأويلات التي هي صرف اللفظ عن ظاهره أوهَنُوا دلالة الأحاديث عند ضعفاء البصائر وجنوا على الشريعة، وصار ما قالوه حجَّة لكل مبطل فلا حول ولا قوة إلا بالله.

قوله «ولهما» أي البخاري ومسلم «عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كل مصور في النار، يُجعل له بكل صورة صوَّرها نَفْسٌ يُعذَّب بها في جهنم» **، ولهما عنه مرفوعاً: «من صوَّر صورةً في

* أخرجه البخاري (2479) و (5954، 5955) و (5961) ، ومسلم (2107) .

** أخرجه البخاري (2225) و (5963) و (7042) ، ومسلم (2110) .

الدنيا كُلِّف أن ينفخ فيها الرُّوح، وليس بنافخ» *. وفيه: التغليظ الشديد في المصورين والتنبيه على العلة وهو ترك الأدب مع الله لقوله: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي» ، والتنبيه على قدرته وعجزهم لقوله: «فليخلقوا ذرة أو حبة أو شعيرة» ، والتصريح بأنهم أشد الناس عذاباً، وأن الله يخلق بعدد كل صورة نفساً يُعذب بها في جهنم، وأنه يُكلَّف أن ينفخ فيها الروح. قاله المصنف رحمه الله. واعلم أن التعليل في أحاديث التصوير قد ورد بألفاظ متعددة، فعلل في بعضها بالمضاهاة يعني المشابهة، وفي بعضها بتكليفه بأن ينفخ فيها الروح، وفي بعضها بقوله: «احيوا ما خلقتم» فأما التعليل بالمضاهاة والإحياء فيقتضي تحريم تصوير ما خلق الله من حيوان ونبات لوجود المضاهاة والحياة. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:30] ، فإن للنبات حياة تخصه وهي النمو والزيادة، كما أن للحيوان حياة تخصه وهي النمو والحركة، ولقوله: «فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة» وبهذا قال مجاهد بن جبر إمام التفسير وراوية ابن عباس، وسواء كانت صورة كاملة أو بعض صورة حتى الرأس والكف لحصول المضاهاة بذلك، وقوله في بعض الروايات «يجعل له بكل صورة نفس يُعذب بها» وتكليفه في الرواية الأخرى بأن ينفخ فيها الروح لا ينفي تحريم ما علّته المضاهاة والحياة وإلا لم يكن للتعليل بذلك فائدة. وأما ما احتج به من أراد استحلال ما حرم الله من أن الصورة الشمسية ليست من الصور المحرمة بحجة أنها مسك للظل كما يرى الناظر صورته في المرآة فهذا غير صحيح؛ لأن ما يبدو في المرآة صورة غير ثابتة ولا صنع للناظر فيها ولا يُسمى الناظر مصوراً، ولا تُسمى صورة لغة ولا شرعاً ولا عرفاً، وأما الصورة الشمسية فلا يشك من له أدنى معرفة بأحكام الشرع وعِلَلِه أنها من جملة الصور المحرمة؛ لأنها لا تتأتّى إلا

* أخرجه البخاري (5963) ، ومسلم (2110) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام