ولمسلم عن أبي الهيَّاج (1) قال: قال لي عليٌّ: ألاَ أبعثك على ما بعثني عليه رسول ُ الله - صلى الله عليه وسلم: ألاَّ تدعَ صورةً إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيتَه [1] .
(1) بالآلة المخصوصة التي صنعت لها وعمل من المصور بوضعها في مواد التحميض لتكون ثابتة وملونة فهي صورة حقيقة، وعاملها يُسمى مصوراً لغة وشرعاً وعرفاً، والتصوير محرم سواء كانت الصورة لها شخص منتصب، أو كانت منقوشة في سقف أو جدار، أو موضوعة في نمط أو في نقد، أو منسوجة في ثوب أو بساط أو مكان، وسواء كانت من شمع أو عجين أو حلاوة أو غير ذلك، فإن قضية العموم تأتي على ذلك كله.
قوله: «ولمسلم عن أبي الهياج الأسدي» واسمه حبان بن حصين «قال: قال لي عليٌّ: ألاَ أبعثك على ما بعثني عليه رسول ُ الله - صلى الله عليه وسلم: ألاَّ تدعَ صورةً إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيتَه» * فدل هذا الحديث على إتلاف الصورة لمن قدر على إتلافها، وإزالتها لمضاهاتها لخلق الله، وطمسها إن كانت غير مجسمة، وتسوية القبور المشرفة لما في تعليتها من الفتنة بأربابها وتعظيمها، وهو من ذرائع الشرك ووسائله، فصرف الهمم إلى هذا وأمثاله من مصالح الدين ومقاصده وواجباته. ولما وقع التساهل في هذه الأمور وقع المحذور، وعظمت الفتنة بأرباب القبور، وصارت محطاً لرحال العابدين المعظِّمين لها فصرفوا لها جُلّ العبادة من: الدعاء والاستغاثة والاستعانة، والتضرع لها، والذبح والنذور وغير ذلك من كل شركٍ محظور. قاله في «الشرح» **. قال ابن القيم رحمه الله تعالى [إغاثة اللهفان 1/ 214 - 215] : «ومن جمع بين سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبور وما أمر به ونهى عنه وما كان عليه أصحابه وبين ما عليه أكثر الناس اليوم رأي أحدهما مضاداً للآخر
* أخرجه مسلم (969) .
** من فتح المجيد وليس التيسير (2/ 799) . ...
مناقضاً له:
فنهى عن الصلاة إلى القبور وهؤلاء يصلون عندها وإليها.
ونهى عن اتخاذها مساجد، وهؤلاء يبنون المساجد عليها ويسمونها مشاهد مضاهاة لبيوت الله.
ونهى عن إيقاد السُّرج عليها، وهؤلاء يوقفون الوقوف على إيقاد القناديل عليها.
ونهى أن تتخذ أعياداً، وهؤلاء يتخذونها أعياداً ومناسك ويجتمعون لها كاجتماعهم للعيد أو أكثر.
وأمر بتسويتها كما في حديث أبي الهياج وفضالة ابن عبيد، وهؤلاء يبالغون في مخالفة هذين الحديثين ويرفعونها عن الأرض كالبيت ويعقدون عليها القبب.
ونهى عن تجصيصها والبناء عليها والكتابة عليها، وهؤلاء يتخذون عليها الألواح ويكتبون عليها القرآن وغيره». انتهى ملخصاً.
وقيد الأمر بطمس الصور إذا وُجدت. قاله المصنف رحمه الله تعالى.