فهرس الكتاب
الصفحة 305 من 358

[الفتح:6] الآية.

قال ابنُ القيِّم في الآية الأولى: «فُسِّر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسولَه، وأن أمرَه سيضمحل، وفُسِّر بأن ما أصابه لم يكن بقدر الله وحكمته، ففُسِّر بإنكار الحكمة، وإنكار القدر؛ وإنكار أن يتمَّ أمرُ رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن يظهره على الدين كلِّه. وهذا هو ظنُّ السوء الذي ظنّه المنافقون والمشركون في سورة الفتح.

وإنما كان هذا ظنّ السوء لأنه ظنُّ غير ما يليقُ به سبحانه، وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق، فمن ظنَّ أنه يُديلُ الباطلَ على الحق إدالةً مستقرة يضمحلُّ معها الحقُّ، أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره، أو أنكر أن يكون قدَرُه بحكمةٍ بالغةٍ يستحق عليها الحمد، بل زعم أن ذلك لمشيئة مجرّدة، فذلك ظنُّ الذين كفروا، فويلٌ للذين كفروا من النار. وأكثر الناس يظنون بالله ظنَّ السَّوء فيما يختص بهم [1] وفيما يفعله بغيرهم، ولا يَسلَم من ذلك إلا من عَرَفَ اللهَ وأسماءَه وصفاته وموجبَ حكمتِه وحمدِه [2] ،

(1) قوله: «وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم» بل غالب بني آدم إلا من شاء الله يعتقد أنه مبخوس الحق ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله، ولسان حاله يقول: ظلمني ربي ومنعني ما أستحق، ونفسه تشهد عليه بذلك، وهو بلسانه ينكر ولا يتجاسر على التصريح.

(2) قوله: «وفيما يفعله بغيرهم ولا يسلَم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءَه وصفاته وموجبَ حكمته وحمده» فإذا رأوا رجلاً صالحاً قد قُتِر عليه قالوا: هذا ما يستحق. أو رأوا رجلاً قد وُسِّع عليه في الدنيا قالوا: هذا ليس بكفؤ؛ قدحاً في القدر واعتراضاً عليه. قال أبوالفرج ابن الجوزي: «وهذه حالة قد شملت خلقاً كثيراً من العلماء والجهال أولهم إبليس، فإنه نظر بعقله فقال: كيف يفضل الطين على جوهر النار؟ وفي ضمن اعتراضه أن حكمتك قاصرة وأنا أجود، واتّبع إبليس في تفضيله واعتراضه خلقٌ كثير مثل الراوندي والمعري، ومن قوله:

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام