فليعتنِ اللبيبُ [1] الناصحُ لنفسه بهذا، وليتبْ إلى الله ويستغفره من ظنه بربه ظنَّ السَّوء، ولو فتَّشتَ من فتشت [2] لرأيتَ عنده تعنُّتَاً على القدر وملامةً له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقِلٌ ومستكثر، وفتِّش نفسَكَ؛ هل أنت سالم؟
فإنْ تَنْجُ منها تنجُ من ذي عظيمةٍ ... وإلاَّ فإني لا إِخالُك [3] ناجيا
60 -باب
(1) وترزق مجنوناً وترزق أحمقا ... إذا كان لا يحظى برزقك عاقل
رأى منك ما لا يُرتضى فتنزندق ... فلا ذنب يا رب السماء على امرئ
قوله: «فليعتن اللبيب» أي العاقل «الناصح لنفسه، ولا يعترض على ربه في قضائه وقدره، وليتب إلى الله ويستغفره من ظنه بربه ظن السوء» .
(2) قوله: «ولو فتشت من فتشت» يعني من الناس «لرأيت عنده تعنُّتاً على القدر وملامة له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا» أي خلاف ما جرى به القدر «فمستقل ومستكثر» أي مستقل من الاعتراض ومستكثر منه «وفتش نفسك هل أنت سالم؟» من الاعتراض على قضاء الله وقدره أم لا؟
فإنْ تَنْجُ منها تنجُ من ذي عظيمةٍ ... وإلاَّ فإني لا إِخالُك ناجيا
(3) قوله: «لا إِخَالُكَ» بكسر الهمزة، أي: لا أظنك، ولله درُّ القائل:
فإن الله أولى بالجميلِ ... فلا تظننَّ بربك ظن سوء
فكيف بظالم جانٍ جهول ... ولا تظننَّ بنفسك قط خيراً
أترجو الخير من ميِّتٍ بخيلٍ] ... [وقل يا نفس مأوى كل سوءٍ
كذاك وخيرها كالمستحيلِ ... وظُنَّ بنفسك السوءَ تجدها
فتلك مواهب الرب الجليلِ ... وما بك من تُقَىً فيها وخير
من الرحمن فاشكر للدليلِ ... وليس لها ولا منها ولكن
وفيه: الإخبار بأن ذلك أنواع لا تُحصر، وأنه لا يسلم من ذلك إلا من عرف الأسماء والصفات وعرف نفسه. قاله المصنف رحمه الله تعالى.