وقول الله تعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران: 154] [1] .
وقوله: {الَّذِينَ قَالُوا لإخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:168] الآية [2] .
(1) قوله: «وقول الله تعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} هذا قول بعض المنافقين يوم أُحُد. روى ابن إسحاق بإسناده عن عبدالله بن الزبير قال: قال الزبير: لقد رأيتُني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين اشتد الخوف علينا أرسل الله علينا النومَ فما منا رجل إلا ذقنه في صدره، قال: فوالله إني لأسمع قول مُعَتِّب ابن قُشير ما أسمعه إلا كالحُلم: لو كان لنا من الأمر شيء ما قُتلنا ههنا فحفظتها منه، وفي ذلك أنزل الله {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} لقول مُعتِّب. رواه ابن أبي حاتم*. وهذا من المنافقين معارضة منهم للقدر بـ «لو» ، ولهذا ردَّ الله عليهم بقوله: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154] .
(2) وقوله: {الَّذِينَ قَالُوا لإخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وهذا أيضاً معارضة للقدر من المنافقين بقولهم لمن خرج مع
* أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (1697) ، وابن جرير الطبري في التفسير (8094) .
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحُد. قيل: وإنما قال لإخوانهم أي لمشاركتهم لهم في الظاهر، وقيل لإخوانهم في النسب لا في الدين {لَوْ أَطَاعُونَا} في مشورتنا عليهم بعدم الخروج ما قُتلوا، قل: {فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ} أي إن عدم الخروج لا ينجي من الموت، فإن كنتم صادقين فادفعوا الموت إذا جاءكم، أي إذا كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت فينبغي لكم أن لا تموتوا، والموت لابد آتيكم ولو كنتم في بروج مشيدة. قال مجاهد عن جابر بن عبدالله: نزلت هذه الآية في عبدالله بن أُبيّ وأصحابه يعني أنه هو الذي قال ذلك. قال شيخ الإسلام [الفتاوى 7/ 280] : «انخزل عبدالله بن أُبي يوم أُحُد، وقال: يدع رأيي ورأيه ويأخذ برأي الصبيان. وانخزل معه خلقٌ كثير، كان كثير منهم لم ينافق قبل ذلك، فأولئك كانوا مسلمين وكان معهم إيمان هوالضوء الذي ضرب الله به المثل، فلو ماتوا قبل المحنة والنفاق لماتوا على الإسلام ولم يكونوا من المؤمنين حقاً، الذين امتحنوا فثبتوا على المحنة، ولا من المنافقين حقاً الذين ارتدوا عن الإيمان بالمحنة، وهذا حال كثير من المسلمين في زماننا أو أكثرهم إذا ابتلوا بالمحنة التي يتضعضع فيها أهل الإيمان ينقص إيمانهم كثيراً وينافق كثير منهم، ومنهم من يُظهر الردة إذا كان العدو غالباً، وقد رأينا من هذا ورأى غيرنا من هذا ما فيه عبرة، وإذا كانت العافية أو كان المسلمون ظاهرين على عدوهم كانوا مسلمين وهم مؤمنون بالرسل باطناً وظاهراً لكنه إيمان لا يثبت على المحنة؛ ولهذا يكثر في هؤلاء ترك الفرائض وانتهاك المحارم، وهؤلاء من الذين قالوا آمنا فقيل لهم: {لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] أي الإيمان المطلق الذي أهله هم المؤمنون حقاً فإن هذا هو الإيمان إذا أطلق في كتاب الله كما دل عليه الكتاب والسنة، فلم يحصل له ريب عند المحن التي تقلقل الإيمان في القلوب» . انتهى. وفيه: معرفة تفسير الآيتين من آل عمران. قاله المصنف رحمه الله تعالى.