وعن ابن عباس في الآية (1) قال: لما تغشَّاها آدمُ حملتْ، فأتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعانني أو لأجعلنّ له [1]
(1) وتُوفيت أمه آمنة بالأبواء وهي راجعة به من المدينة إلى مكة من زيارة أخوال أبيه بني عدي بن النجار وهو يومئذ ابن ست سنين ومائة يوم، وقيل ذلك أربع سنين، فلما ماتت أمه حملته أم أيمن مولاته إلى جده، فكان في كفالته إلى أن توفي جده وللنبي - صلى الله عليه وسلم - ثمان سنين فأوصى به إلى عمه أبي طالب.
وقال شيخ الإسلام [الفتاوى 1/ 378 - 379] : «كان المشركون يعبِّدون أنفسهم وأولادهم لغير الله، فيضيفون فيه التعبيد إلى غير الله من شمس أو وثن أو بشر أو غير ذلك مما قد يشرك بالله، فغيَّر ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فعبَّدهم لله وحده فسَمَّى جماعة من أصحابه، كان اسم عبدالرحمن بن عوف عبدالكعبة فسمَّاه عبدالرحمن، وكان اسم أبي هريرة عبدشمس فغَيَّر اسمه، وسَمَّى أبا معاوية عبدالرحمن وكان اسمه عبدالعزى، وكان اسم مولاه قيوم فسمَّاه عبدالقيوم، فشريعة الإسلام الذي هو الدين الخالص لله وحده تعبيد الخلق لربهم كما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتغيير الأسماء الشركية إلى الأسماء الإسلامية والأسماء الكفرية إلى الأسماء الإيمانية» . انتهى ملخصاً. إذا عُلم هذا، فلا تجوز التسمية بـ: عبدالنبي وعبدالرسول وعبدالمسيح وعبد علي وعبدالحسين وعبدالكعبة وعبدالدار وما أشبه ذلك؛ مما فيه تعبيد لغير الله. وفيه: تحريم كل اسم معبد لغير الله. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
قوله: «وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في الآية قال: لما تغشّاها آدم حملت، فأتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة، لتطيعانني أو لأجعلن له» * أي الولد «قرني أيِّل» بالتثنية والإضافة، والأيِّل: بفتح الهمزة وكسر المثناة التحتية المشددة ذكر الأوعال «فيخرج من بطنك فيشقه،
* أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير، وسعيد بن منصور، وابن المنذر كما في الدر المنثور (3/ 624) .
ولأفعلنّ ولأفعلنّ» والمعنى أنه «يخوفهما، سميّاه عبدالحارث» قال سعيد بن جبير كان اسمه - يعني إبليس في الملائكة - الحارث، وكان مراده أن يسميّاه بذلك ليكون قد وجد له صورة الاشتراك به «فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت فأتاهما، فذكر مثل قوله، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت فأتاهما فذكر لهما، فأدركهما حب الولد فسمياه عبدالحارث، فذلك قوله: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا} ، رواه ابن أبي حاتم» . وأما قول ابن كثير ليس المراد من السياق آدم وحواء وإنما المراد المشركون من ذريته ولهذا قال: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقوله هذا مما لا يساعد عليه لفظ سياق الآيات الكريمة، فإنها من أولها إلى آخرها خبر عن آدم وحواء من حين خلقهما الله إلى أن جعلا له شركاء فيما آتاهما من الولد، ولذا ذُكرا بضمير التثنية، ودعوى أن المراد بالآية الذرية لقوله: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} بضمير الجمع لا يقتضي صرف الآية عن مدلولها لفظاً ومعنى؛ لأن أقل الجمع اثنان فيكون سبب نزولها آدم وحواء وحكمها عام يشمل المشركين من الذرية كغيرها من الآيات، وأما قول ابن كثير عن أثر ابن عباس وكأنه أصله - والله أعلم - مأخوذ عن أهل الكتاب فقد استبعده في «فتح المجيد» * جداً، وهو كما قال، لا سيما وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس جماعة من أصحابه كمجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة، ومن الطبقة الثانية قتادة والسدي وغير واحد من السلف وجماعة من الخلف، ومن المفسرين من المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة، وعلى فرض تلقيه عن أهل الكتاب فهو ممما دل على صحته ظاهر سياق الآيات الكريمة، فيكون من القسم الذي يشهد له شرعنا بالصحة، والله أعلم. «وروى ابن أبي حاتم بسند صحيح عن مجاهد في قوله: {لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا} قال أشفقا أن لا يكون إنساناً، وذكر معناه عن الحسن وسعيد
وغيرهما». وقال أبوصالح أشفقا أن يكون بهيمة، فقالا: لئن آتيتنا صالحاً بشراً سوياً، رواه ابن أبي حاتم.
وفيه: أن هبة الله للرجل البنت السوية من النعم. قاله المصنف رحمه الله تعالى، وذلك أن الله قادرٌ على أن يجعلها غير سوية، أو من غير الجنس، فلا ينبغي للرجل أن يسخط مما وهبه الله كأهل الجاهلية، بل يحمد الله الذي جعلها بشرية سوية؛ فلهذا كانت عائشة -رضي الله عنها- إذا بُشرت بمولود لم تسأل إلا عن صورته لا عن ذكوريته وأنوثيته. قاله في «الشرح» *.