فهرس الكتاب
الصفحة 28 من 358

«من شهد أن لا إله إلاّ الله [1]

(1) قوله: «من شهد أن لا إله إلا الله» أي تكلم بهذه الكلمة العظيمة عارفاً لمعناها من أنه لا معبود بحق إلا الله عاملاً بمقتضاها باطناً وظاهراً كما دلّ عليه قوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد:19] ، وقوله: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الشورى:86] أما النطق بها من غير معرفةٍ لمعناها ولا عمل بمقتضاها فإن ذلك غير نافع، يدل على هذا قوله: من شهد كيف يشهد وهو لا يعلم.

* أخرجه البخاري (3435) ، ومسلم (28) .

قال القرطبي في «المفهم على صحيح مسلم» باب: لا يكفي التلفظ بالشهادتين؛ بل لابد من استيفاء القلب: «هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كافٍ في الإيمان. وأحاديث هذا الباب يعني التي ذكرها مسلم تدلّ على فساده بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها، ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح وهو باطل قطعاً» . انتهى.

وقال شيخ الإسلام [الفتاوى 10/ 249] : «الإله هو المعبود المطاع، فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يُعبد، وكونه يستحق أن يُعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب المخضوع له غاية الخضوع. قال: فإن الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهه القلوب بحبها وتخضع له وتذل له وتخافه وترجوه وتنيب إليه في شدائدها وتدعوه في مهماتها وتتوكل عليه في مصالحها وتلجأ إليه وتطمئن بذكره وتسكن إلى حبه وليس ذلك إلا لله وحده، ولهذا كانت: لا إله إلاّ الله أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه، والمنكرون لها أعداءه وأهل غضبه ونقمته، فإذا صحّت صحَّ بها كل مسألة وحال وذوق، وإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له في علومه وأعماله» . انتهى.

وقال الزمخشري: «الإله من أسماء الأجناس كالرجل والفرس يقع على كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق» .

وقال ابن القيم في «بدائع الفوائد» [3/ 58] رداً لقول من قال: إن المستثنى مخرج من المستثنى منه، قال: «بل هو مخرج من المستثنى منه وحكمه، فلا يكون داخلاً في المستثنى؛ إذ لو كان كذلك لم يدخل الرجل في الإسلام بقوله: لا إله إلا الله؛ لأنه لم يثبت الإلهية لله تعالى. وهذه أعظم كلمة تضمنت بالوضع نفي الإلهية عما سوى الله، وإثباتها له بوصف الاختصاص، فدلالتها على إثبات الإلهية أعظم من دلالة قولنا: الله إله، ولا يستريب أحدٌ في هذا البتة» انتهى بمعناه.

وأما من زعم أن الإله القادر على الاختراع، أو الغني عما سواه، الفقير إليه

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام