فهرس الكتاب
الصفحة 244 من 358

وقال الإمام أحمدُ بن حنبل: عجبتُ لقومٍ عرَفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان [1] ،

(1) فما وافق مذهبه أو قول شيخه قبله وما خالفه ردّه أو تأوّله. وقد قال الشافعي: «أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد» .

وحينئذ فلا عذر لمن استفتى أن ينظر في مذاهب العلماء وما استدل به كل إمام، ويأخذ من أقوالهم ما دل عليه الدليل إذا كان له مَلَكَةٌ يقتدر بها على ذلك، وأن مَنْ بلغه الدليل فلم يأخذ به فإنه يجب الإنكار عليه بالتغليظ، فيجب الإنكار على من ترك الدليل لقول أحدٍ من العلماء كائناً من كان، ونصوص الأئمة على هذا، وأنه لا يسوغ التقليد إلا في مسائل الاجتهاد التي لا دليل فيها من كتاب ولا سنة. فهذا هو الذي عناه بعض العلماء بقوله: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، وأما من خالف الكتاب والسنة فيجب الرد عليه، كما قال ابن عباس والإمام أحمد وذلك مجمع عليه. قاله في «فتح المجيد» *.

قوله: «وقال الإمام أحمد: عجبتُ لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان والله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من لازيغ فيهلك» . وكلام الإمام أحمد هذا رواه عنه الفضل ابن زياد وأبوطالب، قال الفضل: قال أحمد: نظرتُ في المصحف فوجدت طاعة الرسول في ثلاثة وثلاثين موضعاً. ثم جعل يتلو: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجعل يكررها ويقول: وما الفتنة إلا الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، وجعل يتلو هذه الآية: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا

شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65] ، وقال أبوطالب: قيل لأحمد: إن قوماً يدَّعون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان. فقال: عجبتُ لقوم سمعوا الحديث وعرفوا الإسناد وصحته يدّعونه ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره. قال الله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وتدر ما الفتنة؟ الكفر. قال الله تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217] فيدّعون الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي.

قوله: «عرفوا الإسناد» أي إسناد الحديث وصحته أي صحة الإسناد، وصحته دليل على صحة الحديث.

وقوله: «يذهبون إلى رأي سفيان» أي الثوري الإمام الزاهد العابد الفقيه كان له أصحاب ومذهب انقرض. وفيه: معرفة تفسير آية النور، وتمثيل ابن عباس بأبي بكر وعمر وتمثيل أحمد بسفيان. قاله المصنف رحمه الله تعالى، وهذا هو الشاهد من كلام أحمد للترجمة. وقد عمّت البلوى بهذا المنكر الذي أنكره الإمام أحمد، خصوصاً فيمن ينتسب إلى العلم والإفتاء والتدريس، وزعموا أنه لا يأخذ بأدلة الكتاب والسنة إلا المجتهد، والاجتهاد قد انقطع وقد أخطأوا في ذلك، وقد استدل الإمام أحمد رحمه الله تعالى بقوله - صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» * على أن الاجتهاد لا ينقطع. قاله في «قرة العيون» **.

قوله: «لعله إذا ردّ بعض قوله» أي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، وهذا تنبيه على أن رد قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - سبب لزيغ القلب الذي هو سبب الهلاك؛ لأن مخالفة أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - مخالفة لأمر المُرسل واستخفاف بحق

* أخرجه أحمد (28/ 94) ، وصححه الألباني. انظر صحيح الجامع (2/ 1220) . ...

** (ص/190) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام