أو تحليل ما حرّمَه فقد اتخذهم أرباباً [1]
وقال ابنُ عباس (2) : يُوشِكُ أن تنزلَ عليكم حجارةٌ من السماء! أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقولون: قال أبوبكر وعمر؟ [2] .
(1) قوله: «باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرّم فقد اتخذهم أرباباً من دون الله» لما كانت العبادة هي طاعة الله تعالى بامتثال ما أمر به على ألسنة رسله عليهم السلام. نبَّه المصنف رحمه الله بهذه الترجمة على وجوب اختصاص الخالق تبارك وتعالى بالطاعة، فلا يُطاع أحدٌ من الخلق إلا إذا كانت طاعته مندرجة تحت طاعة الله، وإلاّ فلا تجب طاعة أحد استقلالاً، وأما قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قيل: هم العلماء، وقيل: هم الأمراء، وهما روايتان عن أحمد. قال ابن القيم: «والتحقيق أن الآية تعمّ الطائفتين، فإنما تجب طاعتهم إذا أمروا بطاعة الله وطاعة رسوله، فكان العلماء مبلغين لأمر الله ورسوله، والأمراء منفّذين له فتجب طاعتهم تبعاً لطاعة الله ورسوله، وفي الحديث: «إنما الطاعة في المعروف» *، وقال - صلى الله عليه وسلم: «على المرء السمع والطاعة ما لم يُؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» **.
(2) قوله: «وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقولون قال أبوبكر وعمر» ***.
* تقدم تخريجه (ص/69) .
** أخرجه البخاري (2955، 7144) ، ومسلم (1839) .
*** أخرجه أحمد (1/ 337) ، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 145) ، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 239 - 240) ، و هو صحيح. انظر: الدر النضيد في تخريج كتاب التوحيد (ص/129) .
قوله: «يوشك» بضم أوله وكسر الشين المعجمة أي يقرب ويدنو ويسرع. قاله أبوالسعادات [النهاية 5/ 165] .
وقوله: «أن تنزل عليكم حجارة من السماء فتلثغ رؤوسكم، أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقولون قال أبوبكر وعمر؟» وسبب قول ابن عباس هذا ما رواه الأثرم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: تمتّع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عروة ابن الزبير: نهى أبوبكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عباس: إنهم سيهلكون، أقول: قال رسول لله - صلى الله عليه وسلم - ويقولون قال أبوبكر وعمر. وهذا هو الشاهد من قول ابن عباس للترجمة، وأبوبكر وعمر رضي الله عنهما لا يريان التمتع بالعمرة إلى الحج ويريان أن إفراد الحج أفضل، وأن يفرد الحج بسفر والعمرة بسفر ليكثر تردد الناس إلى البيت، وابن عباس يرى أن التمتع بالعمرة إلى الحج واجب، ويقول إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط فقد حل من عمرته شاء أم أبى؛ لحديث سراقة بن مالك حين أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعلوها عمرة ويحلوا إذا طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة، فقال سراقة: ألعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: «بل للأبد» . والحديث في الصحيحين*، وكان شيخ الإسلام يقول: فرض على الصحابة فسخ الحج إلى العمرة لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهم به، وأما الجواز والاستحباب فللأمة إلى يوم القيامة لكن أبى ذلك ابن عباس وجعل الوجوب للأمة إلى يوم القيامة، وأن فرضاً على كل مفرد وقارن لم يسق الهدي أن يحل ولابد بل قد حلّ وإن لم يشأ. قال ابن القيم: «وأنا إلى قوله أميل مني إلى قول شيخنا» . انتهى.
وإذا كان هذا قول ابن عباس لمن عارض قوله الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقول أبي بكر وعمر فماذا يقول فيمن يعارض سنن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقول شيخه أو إمام مذهبه،
* أخرجه البخاري (1561، 1762) ، ومسلم (1211) .