فهرس الكتاب
الصفحة 245 من 358

والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] أتدري ما الفتنة؟ الفتنةُ

الشرك، لعلّه إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيءٌ من الزَّيغ فيهلك.

عن عدي بن حاتم (1) أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآية {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:31] الآية. فقلت له: [1]

(1) الآمر كما فعل إبليس لعنه الله.

قوله: «عن عدي بن حاتم» بن عبدالله بن سعد بن الحَشرج - بفتح الحاء - الطائي المشهور بالسخاء والكرم، قدم عدي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في شعبان سنة تسع من الهجرة فأسلم وعاش مائة وعشرين سنة، وكان من متنصرة العرب «أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآية {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} فقلت له: إنا لسنا نعبدهم. قال: «أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه، ويحلّلون ما حرّم الله فتحلّونه؟» فقلت: بلى. قال: «فتلك عبادتهم» *. رواه أحمد والترمذي وحسنه، وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة. وفي الحديث دليل على أن طاعة الأحبار والرهبان في معصية الله عبادة لهم من دون الله، ومن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، لقوله في آخر الآية {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} . قاله في «فتح المجيد» **. قال شيخ الإسلام: «فمما أحلّوه مما حرمه الله استحلال لحم الخنزير وإسقاط الختان، والصلاة إلى المشرق، وزيادة الصوم ونقله من زمان إلى زمان، واتخاذ الصور في الكنائس، وتعظيم الصليب، واتباع الرهبانية، قال هذه كلها خالفوا فيها شرع الله الذي بعث به الأنبياء» . وقال أيضاً: «وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله على وجهين:

* ... أخرجه الترمذي (3095) وحسّنه، وأحمد (4/ 257، 378) والحديث صحيح.

إِنَّا لسنا نعبُدهم. قال: «أليس يُحرِّمون ما أحل اللهُ، فتحرِّمونه، ويُحلِّون ما حرَّم الله، فتُحلّونه؟» . فقلت: بلى. قال: «فتلك عبادتهم» . رواه أحمد والترمذي وحسّنه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحدهما: أن يعلموا أنهم بدّلوا دين الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركاً وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون.

الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتاً لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب كما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنما الطاعة في المعروف» *، وفي الحديث دليل على أن طاعة الأحبار والرهبان في معصية الله عبادة لهم من دون الله، وأما طاعة الأمراء ومتابعتهم، فيما يخالف ما شرعه الله ورسوله فقد عمّت به البلوى قديماً وحديثاً، في أكثر الولاة بعد الخلفاء الراشدين وهلم جرا. وقد قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص:50] . قاله في «فتح المجيد» **. وفيه: معرفة تفسير آية براءة، والتنبيه على معنى العبادة التي أنكرها عدي، وتغير الأحوال إلى هذه الغاية، حتى صار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال، وتُسمى الولاية، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه ثم تغيّرت الأحوال إلى أن عُبد من دون الله من ليس من الصالحين، وعُبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين. قاله المصنف رحمه الله تعالى.

وقوله: «وعبادة الأحبار» هي العلم والفقه المؤلَّف على مذاهب الأئمة

* تقدم تخريجه (ص/69) .

في كل ما يقولون سواء وافق حكم الله أم لا، بل يصرحون فإنه لا يحل العمل بالكتاب والسنة ولا تلقي العلم والهدى منهما.

وقوله: «حتى صار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال» يشير إلى ما يعتقده كثير من الناس فيمن ينتسب إلى الولاية من الضر والنفع، ويسمون ذلك الولاية والسر وهو الشرك.

وقوله: «ثم تغير الأحوال» إلى أن عُبد من ليس من الصالحين كاعتقادهم فيمن ينتسب إلى الولاية من الفساق والمجاذيب.

وقوله: «وعبد» بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين كاعتقادهم العلم في أناس من جهلة المقلدين. قاله في «الشرح» *.

* (ص/479) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام