وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أراد الله بعبده الخيرَ عجّل له العقوبةَ في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشرّ أمسك عنه بذنبه حتى يُوافي به يوم القيامة» [1] .
(1) أنه كافر كما تأوّلته الخوارج، ولا أنه ليس من خيارنا كما تأوّلته المرجئة، ولكن المضمر يطابق المظهر، والمظهر هم المؤمنون المستحقون للثواب السالمون من العذاب، والغاش ليس منا؛ لأنه متعرض لعذاب الله وسخطه». انتهى.
قوله: «من ضرب الخدود» أي: أو بقية البدن، وإنما خصّ الخدّ لأنه الفأل.
قوله: «وشقّ الجيوب» والمراد كمال فتحه. قاله الحافظ ابن حجر.
قوله: «ودعا بدعوى الجاهلية» قال شيخ الإسلام [الاقتضاء 1/ 204] : «هو ندب الميت» . وقال ابن القيم: «الدعاء بدعوى الجاهلية كالدعاء إلى القبائل والعصبية للأنساب ومثله التعصب للمذاهب والطوائف والمشايخ، وتفضيل بعضهم على بعض يدعو إلى ذلك ويوالي عليه ويعادي عليه، فكل هذا من دعوى الجاهلية، وليس في هذه الأحاديث ما يدل على النهي عن البكاء على الميت لما في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما مات ابنه إبراهيم قال: «تدمع العين، ويحزن القلبُ، ولا نقول إلا ما يرضى الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون» *. وقال شيخ الإسلام [الفتاوى 10/ 47] : «البكاء على الميت على وجه الرحمة حسن مستحب، ولا ينافي الرضاء بقضاء الله، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه» . انتهى. وفيه: شدة الوعيد فيمن ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية. قال المصنف رحمه الله.
قوله: «وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أراد الله بعبده الخيرَ عجّل له العقوبةَ في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشرّ أمسك عنه بذنبه حتى يُوافي به يوم القيامة» **
* أخرجه البخاري (1303) ، ومسلم (2315) .
** أخرجه الترمذي (2396) ، والبغوي في شرح السنة (5/ 245) ، والحاكم (1/ 349) . قال الألباني: «صحيح» . انظر: صحيح الجامع (1/ 118) رقم (308) .
هذا الحديث رواه الترمذي وحسّنه والحاكم وأخرجه الطبراني والحاكم عن عبدالله ابن مغفل، وأخرجه ابن عدي عن أبي هريرة، والطبراني عن عمار بن ياسر. قاله في «الشرح» *.
وقال شيخ الإسلام: «رواه الروياني في مسنده من طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن سنان عن أنس» . انتهى.
قوله: «إذا أراد الله بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدنيا» أي على ذنوبه إذا صبر فيخرج منها وليس عليه ذنب يوافى به يوم القيامة. وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة. وقال شيخ الإسلام [الفتاوى 10/ 48] : «المصائب نعمة؛ لأنها مكفّرة للذنوب، ولأنها تدعو إلى الصبر فيثاب عليها، ولأنها تقتضي الإنابة إلى الله والذل، فنفس البلاء يكفر الله به الخطايا، ومعلوم أن هذا من أعظم النعم ولو كان الرجل من أفجر الناس، فلابد أن يخفف الله عنه عذابه بمصائبه» . وقال: «يقول الله في بعض الكتب «أهل ذكري أهل مشاهدتي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لأؤايسهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لاطهرهم من المعائب» ، فالمصائب نعمة ورحمة في حق عموم الخلق إلا أن يدخل صاحبها بسببها في معاص أعظم مما كان قبل ذلك، فتكون شراً عليه من جهة ما أصابه في دينه، فإن من الناس من إذا ابتُليَ بفقر أو مرض أو جوع حصل له من الجزع والسخط والنفاق ومرض القلب والكفر الظاهر، أو ترك الواجبات، أو فعل المحرمات ما يوجب له ضرراً في دينه بحسب ذلك، فهذا كانت العافية خيراً له من جهة ما أورثته المصيبة لا من جهة نفس المصيبة، كما أن من أوجبت له المصيبة صبراً وطاعة كانت في حقه نعمة دينية، فهي بعينها فعل الرب عز وجل رحمة للخلق والله تبارك وتعالى محمود عليها، فمن ابتُلي فرزق الصبر كان الصبر نعمة في دينه وحصل له مع ما كفر من خطاياها رحمة وحصل له بثنائه على ربه صلاة ربه عليه، قال تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:157] ، وحصل له غفران السيئات ورفع الدرجات». انتهى ملخصاً.
* (ص/446) .