فهرس الكتاب
الصفحة 232 من 358

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «إنَّ عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء [1] ،

(1) قوله: «وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يُوافِي به يوم القيامة» وهو بضم الياء وكسر الفاء منصوب بحتى مبني للفاعل أي لا يجازى بذنبه في الدنيا حتى يجيء يوم القيامة موفر الذنوب فيُستوفى ما يستحقه من العذاب. وفيه: معرفة علامة إرادة الله بعبده الخير وإرادته بعبده الشر. قاله المصنف رحمه الله تعالى.

قلت: وفيه إثبات الإرادة لله عز وجل، وهي نوعان: إرادة شرعية دينية، وإرادة كونية قدرية، فالسعيد من أراد منه تشريعاً ما أراد به تقديراً، والشقي من أراد به تقديراً ما لم يرد منه تشريعاً. قاله شيخ الإسلام رحمه الله.

وفيه: التنبيه على حسن الرجاء وحسن الظن بالله فيما يقضيه لك، كما قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] .

قوله: «وقال - صلى الله عليه وسلم: «إن عِظَم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السُّخط» *. وهذا الحديث رواه الترمذي بسند الحديث الذي قبله، ثم قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، ورواه ابن ماجه. وروى الإمام أحمد عن محمود بن لبيد رفعه «إذا أحب الله قوماً ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع» ** قال المنذري رواته ثقات.

وقوله: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء» بكسر العين وفتح الظاء فيهما، ويجوز ضمها مع سكون الظاء، أي من كان ابتلاؤه أعظم كان جزاؤه أعظم. وقد يحتج بهذا الحديث من يقول: إن المصائب يُثاب عليها مع تكفير الخطايا، ورجّح العلاّمة ابن القيم أن ثوابها تكفير الخطايا فقط إلا إذا كانت سبباً لعمل صالح كالصبر والرضى والاستغفار فإنه حينئذ يُثاب على ما تولد منها.

* أخرجه الترمذي (2396) ، وابن ماجه (4031) . وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2/ 286) رقم (1954) .

** أخرجه أحمد (5/ 427، 429) ، قال الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع (1/ 114)

رقم (285) .

قوله: «وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» . حسّنه الترمذي، ولهذا سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث سعد: أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رِقّة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة» *. رواه الدارمي وابن ماجه والترمذي وصححه.

وهذا الحديث ونحوه من أدلة التوحيد، فإذا عرف العبد أن الأنبياء والأولياء يصيبهم البلاء في أنفسهم، الذي هو في الحقيقة رحمة ولا يدفعه عنهم إلا الله، عرف أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فلأن لا يملكوه لغيرهم أولى وأحرى، فيحرم قصدهم والرغبة إليهم في قضاء حاجةٍ أو تفريج كربة. وفي وقوع الابتلاء بالأنبياء والصالحين من الأسرار والحكم والمصالح وحسن العاقبة ما لا يُحصى. قاله في «فتح المجيد» **.

قوله: «فمن رضي فله الرضى» أي من الله «ومن سخط» بكسر الخاء «فله السخط» أي من سخط على الله فيما قضاه وقدّره، فله السخط أي من الله وكفى بذلك عقوبة، وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة، والرضى والسخط صفتان وصف الله بهما نفسه في كتابه، ومذهب السلف وأتباعهم من أهل السنة إثبات الصفات التي وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما يليق بجلاله وعظمته إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل. وقد يستدل بهذا الحديث من يرى وجوب الرضاء كابن عقيل، واختار القاضي عدم الوجوب، ورجّحه شيخ

الإسلام وابن القيم. قال شيخ الإسلام: «ولم يجيء الأمر به كما جاء الأمر بالصبر، وإنما جاء الثناء على أصحابه .. قال: وأما ما يُروى: من لم يصبر على

* أخرجه ابن ماجه (4023) ، والترمذي (2400) ، وأحمد (1/ 172، 174، 180، 185) ، وصححه الألباني في «الصحيحة» رقم (144) .

بلائي ولم يرضَ بقضائي فليتخذ رباً سوائي. فهذا إسرائيلي لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -». انتهى.

قال شيخ الإسلام [الفتاوى 11/ 260] : «وأعلى من ذلك - أي من الرضا - أن يشكر الله على المصيبة لما يرى من إنعام الله عليه بها» . انتهى. وفيه: علامة حب الله تعالى للعبد، وتحريم السُّخط وثواب الرضا بالبلاء. قاله المصنف رحمه الله تعالى.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام