وقال ابن عباس في قوم يكتبون «أبا جاد» [1]
(1) وقد ورث هذه العلوم عنهم أقوامٌ فادّعوا بها علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه وادّعوا أنهم أولياء وأن ذلك كرامة، ولا ريب أن من ادّعى الولاية واستدل بإخباره ببعض المغيبات فهو من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن. إذ الكرامة أمرٌ يجريه الله على يد عبده المؤمن التقي إما بدعاء أو أعمال صالحة لا صنع للولي فيها ولا قدرة له عليها بخلاف من يدّعي أنه ولي ويقول للناس اعلموا أني أعلم الغيب، وحسبك بحال الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - وهم سادات الأولياء، أفكان عندهم في هذه الدعاوى شيء؟ حاشا وكلا. ويكفيك في صفات الأولياء ما ذكره الله عنهم في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 57 - 61] وغيرها من الآيات، فالمتصفون بتلك الصفات هم الأولياء الأصفياء لا أهل الدعاوى والكذب ومنازعة رب العالمين فيما اختص به من الكبرياء والعظمة وعلم الغيب، بل مجرد دعوى علم الغيب كفر، فكيف يكون المدعي لذلك وليّاً لله؟!.
قوله: «وقال ابن عباس في قوم يكتبون أبا جاد وينظرون في النجوم: ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق» هذا الأثر رواه الطبراني عن ابن عباس مرفوعاً وإسناده ضعيف ولفظه: «رب متعلم حروف أبي جاد دارس في النجوم ليس
له عند الله خلاق يوم القيامة» *. ورواه حميد بن زنجويه عنه بلفظ «رًبَّ ناظرٍ في النجوم ومتعلم حروف أبي جاد وليس له عند الله خلاق» .
وقوله: «ما أَرى» يجوز بفتح الهمزة بمعنى: لا أعلم. ويجوز ضمها بمعنى: لا أظن. وكتابة أبي جاد وتعلمها لمن يدّعي بها علم الغيب هو الذي يُسمى علم الحرف، وهو الذي جاء فيه الوعيد، فأما تعلُّمها للتهجي وحساب الجُمل فلا بأس به.
وقوله: «وينظرون في النجوم» ويعتقدون أن لها تأثيراً كما سيأتي في باب التنجيم. وفيه: ذكر من تُكهن له، وذكر من تُطيِّر له، وذكر من سُحر له، وذكر من تعلم أباجاد. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
* أخرجه الطبراني في الكبير رقم (10980) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 117) : وفيه خالد بن يزيد العُمري، وهو كذاب. انظر فتح المجيد (2/ 497) بتحقيق الدكتور/ الوليد الفريان - حفظه الله -.