وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [1]
(1) قاله المصنف رحمه الله: «قوله: وقول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} الآيات [الإسراء:23] . قال مجاهد: يعني وصى، وكذا قرأ أُبَيّ بن كعب، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم. وقال ابن عباس أيضاً: {وَقَضَى} يعني: أمر، رواه ابن جرير. وقوله: {أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} أي: أن تعبدوه وحده ولا تعبدوا غيره، وهذا هو الشاهد في الآية للترجمة وهو معنى لا إله إلاّ الله، فتضمنت الآية النفي والإثبات، كما تضمنته لا إله إلا الله. وقوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي وقضى أن تحسنوا بالوالدين إحساناً، كما أمر بعبادته وحده لا شريك له، وعَطْفُ حقهما على حقه تعالى دليلٌ على تأكد حقهما وأنه أوجب الحقوق بعد حق الله تعالى وهذا كقوله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14] ولم يخص نوعاً من أنواع الإحسان ليعم جميع أنواع الإحسان، وقوله: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} أي لا تسمعهما قولاً سيئاً حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيء:
{وَلا تَنْهَرْهُمَا} أي لا يصدر منك إليهما فعل قبيح، قال عطاء بن أبي رباح: لا تنفض يديك عليهما، ولما نهاه عن الفعل القبيح والقول السيء أمره بالفعل الحسن
والقول الحسن فقال: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} أي ليناً لطيفاً بأدب وتوقير. وقوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} أي تواضع لهما، {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا} في كبرهما وعند وفاتهما {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} .
وفي هذه الآيات المحكمات من سورة الإسراء ثمان عشرة مسألة، بدأها الله بقوله: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولا} .
ختمها بقوله: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} ونبهنا الله سبحانه على عظم شأن هذه المسائل بقوله: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} . قاله المصنف رحمه الله تعالى.
«والمسائل التي أشار إليها الشيخ:
1 -النهي عن الشرك. ...
2 -الأمر بعبادة الله وحده.
3 -الإحسان إلى الوالدين.
4 -إيتاء ذا القربى حقه.
5 -إيتاء المسكين حقه. ...
6 -إيتاء ابن السبيل حقه.
7 -النهي عن التبذير. ...
8 -النهي عن الإمساك بدون إسراف.
9 -النهي عن قتل الأولاد. ...
10 -النهي عن الزنى.
11 -النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
12 -النهي عن قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن.
13 -الأمر بالوفاء بالعهد. ... 14 - الأمر بالوفاء بالكيل.
15 -الأمر بالوفاء بالوزن. ... 16 - النهي عن القول بغير علم.
17 -النهي عن المشي في الأرض مرحاً.
وقد تواترت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمر ببر الوالدين وتحريم عقوقهما، وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل قال: «الصلاة على وقتها» . قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين» .
قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» *.
وفي الصحيحين عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» . قلنا: بلى يا رسول الله. قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» . وكان متكئاً فجلس فقال: «ألاَ وقول الزور، ألاَ وشهادة الزور» فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت**.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» . قال: ثم من؟ قال: «أمك» . قال: ثم من؟ قال: «أمك» . قال: ثم من؟ قال: «ثم أباك» . أخرجاه***.
وعن أبي أسيد الساعدي - رضي الله عنه - قال: بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من برِّ أبَوي شيءٌ أبرهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصلاة عليهما» يعني الدعاء لهما والاستغفار لهما «وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما» . رواه أبوداود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه.