فهرس الكتاب
الصفحة 17 من 358

وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] [1] .

(1) قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64] ، ثم قد يُطاع وقد لا يُطاع، وكذلك ما خلق الجن والإنس إلا للعبادة، ثم قد يعبدون وقد لا يعبدون، وليست لأم الصيرورة والعاقبة. قال شيخ الإسلام: «لام الصيرورة والعاقبة لا تقع إلا في فعل من يجهل عاقبة فعله، كما قال تعالى عن موسى: {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] فلو كانوا عالمين بعاقبة ما اتخذوه، ومعنى الآية: أن الله خلق الخلقَ ليعبدوه وحده لا شريك له، و يوحدوه وهذا هو الشاهد من الآية للترجمة، وأخبر أنه غير محتاج إليهم بل هم الفقراء إليه وهو خالقهم ورازقهم، قال علي بن أبي طالب: وما خلقت الجن والإنس إلا لأمرهم أن يبعدون وأدعوهم إلى عبادتي. قال مجاهد: إلا لآمرهم وأنهاهم، واختاره الزجاج وشيخ الإسلام لقوله: {أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36] .

قال الشاذلي: لا يُؤمر ولا يُنهى، وقال غيره: لا يُثاب ولا يعاقب، والصحيح الأمران، فإن الثواب والعقاب مترتب على الأمر والنهي، وحقيقة العبادة امتثالهما. وفي الآية بيان الحكمة في خلق الجن والإنس، وأن العبادة هي التوحيد لأن الخصومة فيه، وأن من لم يأت به لم يعبد الله ففيه معنى قوله: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون:3،5] .

قاله المصنف رحمه الله: «قوله: وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} أخبر تعالى أنه بعث في كل أمة -

أي كل طائفة وقرن من الناس - رسولاً قائلاً لهم الرسول الذي بعث فيهم: اعبدوا الله أي وحدوه، وهذا هو الشاهد من الآية للترجمة، وقوله: {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} أبلغ من قوله: اتركوا الطاغوت؛ لأن يتضمن الشرك والتباعد عنه فتضمنت الآية النفي والإثبات كما تضمنته لا إله إلا الله، فالإثبات قوله: {اُعْبُدُوا اللَّهَ} ،

والنفي قوله: {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ، وهذا هو حقيقة التوحيد وهو معنى لا

إله إلا الله، فالنفي المجرد ليس بتوحيد وكذلك الإثبات المجرد.

قال ابن القيم رحمه الله: «والطاغوت مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، وهو ما تجاوز به العبد حدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دونه الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله» . انتهى.

وفي الآية بيان الحكمة في إرسال الرسل، وأن الرسالة عمَّت كل أمة، وأن دين الأنبياء واحد، وأن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت ففيه معنى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} الآية [البقرة:256] ، وأن الطاغوت عام في كل ما عُبد من دون الله.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام